عندما تكون وزيراً تطمح بأن يُزجّ اسمك بين المرشحين لدخول نادي رؤساء الحكومات، و«يبيعك» المدير العام لقوى الأمن الداخلي «خطة» للبطش بالناس، تكون النتيجة خضة أمنية لا خطة لحفظ الأمن.الخطّة التي بُدئ تطبيقها قبل أيام تجاوزت دورها كإجراء لتطبيق القوانين، وتداخل فيها الأمني بالاجتماعي بالسياسي، ففشلت بالأبعاد الثلاثة، ولم تحقّق هدفها بتعزيز ثقة المواطن بالدولة، بل عمّقت الشرخ بسلوكٍ متهوّر من أعلى الهرم إلى أسفله، نتيجة العجز عن فهم الفرق بين الحزم والبطش، وعن فهم أن قمع المخالفات بمصادرةِ دراجةٍ أو تحرير ضبطٍ هو أداة ردعٍ، وليس غاية قائمةً بذاتها، وأن النوايا السليمة بتحقيق نتائج إيجابية تستلزم توفير الخدمات والتسهيلات للناس، ثم مطالبتهم بواجباتهم تجاه الدولة، وفرز المخالف من الملتزم.
فوزير الداخلية بسام مولوي الذي ارتضى تعطيل مصلحة تسجيل السيارات لعامٍ ونصف عام، بين إقفال تام وتسيير جزئي للعمل، وما نتج عنه من بطء شديد في تسجيل السيارات ومنح دفاتر السوق ودفاتر المركبات وتنظيم اختبارات سوق، والذي يعلم أن مناقصة تلزيم المعاينة الميكانيكية مجمّدة لأسباب غير واضحة، لا يمكنه الاستفاقة فجأة ليسأل عن القانون. بمعيار القانون نفسه، كان على المولوي قبل طلب تحضير خطة أمنية أن يضمن توفّر طوابع السير بأسعارِها الحقيقية، وأن يحمي مصالح الناس عندما عطّلت «إنكريبت» النافعة لأكثر من شهرين، متسبّبة بتوقّف تسيير المعاملات، فيفرض بقوة القانون فتح أبواب «النافعة»، وتعويض المواطنين بالعمل على إنجاز معاملاتهم أيام السبت والأحد، كما يحصل الآن لفك الحجوزات.
لا يناقش أحد في ضرورة احترام القوانين ومعاقبة المخلّين بها، وبينهم سارقون ونشّالون ومجرمون، ولكنّ بينهم أيضاً جيشاً من العمال وعسكريين وطلاباً وأرباب أسر، مثّلت «الحرب على الدراجات النارية»، بالنسبة إليهم، حرباً على لقمة العيش وعلى وسيلة نقل تجنّبهم فوضى تسعير أجرة «السرفيس» التي تبدأ من 200 ألف ليرة بعد أن هدمت الحكومات المتعاقبة النقل العام المشترك، كما تجنّبهم أجرة الأوتوكار بعد أن تركت الحكومات نفسها الحبل على غاربه لكارتيل المدارس. بهذا المعنى، الحرب على الدراجات النارية هي حرب على سبل عيش الفقراء، بل على سبيل عيشهم شبه الوحيد وعلى شريان حياتهم.
عمّمت أحزاب المنطقة على مناصريها مسبقاً بأنها لن تغطي المخالفين
الطامة الكبرى أنّ قوى الأمن لم تكتف بحجز الدراجات المخالفة المارّة على الحواجز، بل عمدت إلى اقتحام مواقف سيارات المستشفيات ومواقف البلديات والمقاهي وسؤال حراس المباني عن الدراجات. ولم تظهر ولو قليلاً من التسامح كتوجيه تنبيه إلى صاحب الدراجة القانونية بضرورة ارتداء الخوذة مثلاً، بل لجأت إلى احتجاز الدراجات المسجّلة وغير المسجّلة، وصولاً إلى حجز آليات تابعة لبلدية الغبيري. هذه المبالغة التي لا معنى لها، معطوفةً على مشاعر غبن، ولّدت غضباً واحتجاجاً ظهرا في أكثر من مكان على شكل قطعٍ للطرقات من سليم سلام وطريق الجديدة إلى الضاحية الجنوبية. لتبدأ حفلة استغلالٍ سياسية تدعم الحملة وتصنّف المحتجّين في الضاحية حصراً بالخارجين عن الدولة، ووصل الأمر بأحد الفاشيين بصفة محام بوصف الناس بالقوارض التي يجب التمتع بدعسها.
هؤلاء لا يريدون التصديق بأنّ أحزاب المنطقة لم تتدخّل مع القوى الأمنية لوقف أو تخفيف إجراءاتها، لا بل عمّمت على مناصريها بأنها لن تغطي المخالفين، ويصعب عليهم الاقتناع بأن أهل الضاحية الجنوبية على وجه التحديد هم أول المستفيدين من بسط الأمن، وهم من يريدون تعزيز مفرزة سير الضاحية التي لا يتعدى عدد عناصرها العشرين بينهم أربعة درّاجين لمئات آلاف السكان، وهم من يتصلون بالمخافر للإبلاغ عن سارق أو عن شجار مسلّح أو عن مروّج مخدّرات، فيكون الجواب بأن لا آليات في المخفر! المفارقة، أن الصور الواردة من الضاحية عن اليد المالحة للقوى الأمنية التي لم تتورّع عن إطلاق النار، لم يرد مثلها من أي منطقة أخرى، رغم أن الخطة الأمنية يُفترض أنها شاملة، وكأنه يُراد للضاحية، بما تمثّل سياسياً، أن تكون ميدان احتكاكٍ دائمٍ مع الدولة.