كما في معركة الرقة التي بدأت كذلك في معركة الموصل التي تقترب من النهاية: لعبة مسارين معا في ادارة الحرب على داعش، ضمن حسابات الإمساك بالأرض في مرحلة ما بعد داعش. لكن ما بعد داعش ليس وراء الباب، ولو اكتمل طرده من الموصل التي أعلن أبو بكر البغدادي من جامعها قيام دولة الخلافة في مثل هذه الأيام قبل ثلاث سنوات، ومن الرقة التي سمّاها العاصمة. فالارهاب يتخطى الجغرافيا، مهما تكن أهمية حصوله على قاعدة يمارس فيها التخطيط لعمليات في أي مكان. وهو شكل من المسرح، حيث الممثل الأصغر يستخدم قوة الممثل الأكبر لهزيمته كما يقول البوفسور في هارفرد جوزف ناي.
أمس ضرب الارهاب في طهران. واليوم يذهب البريطانيون الى صناديق الاقتراع محكومين بهاجس الارهاب الذي ضرب في لندن بعد مانشستر بدل هيمنة بريكسيت على النقاش.
ومن قبل توزعت العمليات الارهابية على بغداد وباريس ونيس وبرلين والقاهرة والاسكندرية والمنيا وبروكسيل. وأماكن عدة في أميركا وأوستراليا والشرق الأوسط والشرق الأقصى. ولا فرق سواء كانت العمليات من تخطيط داعش والقاعدة وبقية التنظيمات الارهابية أو من صنع ذئاب منفردة تدفعها العصبيات والظروف الى لعب أدوار جند الخلافة.
وهذا ما جعل القاسم المشترك بين أميركا وروسيا وأوروبا والدول العربية والاسلامية اعطاء الأولوية للحرب على الارهاب. وهي أولوية أعيد اليها الاعتبار بعد المرحلة التي تلت اعلان الرئيس باراك أوباما نهاية الحرب الكونية على الارهاب، والتخلي عن تعبير الحرب بحجة ان خطر الارهاب محدود.
لكن الحرب على الارهاب تجمع بمقدار ما تفرّق. فالارهاب ليس واحدا في نظر المجمعين على محاربته. وتبادل الاتهامات بين الدول حول دعم الارهاب. وتمويل تنظيماته وتسليحها هو جزء من خطاب محاربة الارهاب. حتى الأنظمة والقوى التي كانت تهاجم التركيز الأميركي والاسرائيلي على الارهاب وتطالب بتعريف دولي له يفرّق بينه وبين المقاومة وتحرير الأرض والتحرر من الاستبداد، فانها باتت تضع كل شيء في خانة الارهاب، للتهرّب من الاعتراف بالأزمات والحقائق.
وليس أخطر من الارهاب سوى توظيف عملياته في حجب المشاكل والأزمات الحقيقية في بلدان المنطقة. فلا نهاية للارهاب من دون حلول للأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية بما ينهي الحروب الدائرة في أكثر من بلد. ولا أمان كاملا في دول العالم، مهما عملت أميركا وروسيا وأوروبا أمنيا، ولو سقطت دولة الخلافة الداعشية.
والسؤال الحائر هو: كيف يتم القضاء على الارهاب، وسط وقوعنا أسرى التدخل الخارجي والصراع الطائفي والمذهبي والأنظمة الاستبدادية في غياب مفهوم الدولة، لا فقط الديمقراطية؟