Site icon IMLebanon

حين تقرّع روسيا الأسد وتذكّره بمصالحها الحرب لأهداف موسكو ولأجَل لا تتحمّله طويلاً

دلل الرئيس السوري بشار الاسد على استقوائه بنتيجة دعم القصف الروسي لقواته والتنظيمات الحليفة له في اتجاه محاصرة حلب بمجموعة مواقف واحاديث صحافية لفتت المتابعين للشأن السوري، لكن لم يثر مضمون ما قاله اي اهتمام الى درجة التعليق عليه بما فيه اعلانه العزم على متابعة الحرب من اجل اعادة السيطرة على كل الاراضي السورية والتي ستأخذ وقتا طويلا كما قال. فمنذ زمن طويل لم يعد مضمون مواقف الاسد يثير اي متابعة حقيقية في ظل رتابة في التأكيد على تصلب سياسي غير مسبوق حافظ على وتيرته منذ بدء الثورة ضده، اضافة الى اعتقاد ترسخ حين انقذت ايران حكمه من الانهيار والسقوط في العام 2012 مع دخول “حزب الله” والميليشيات العراقية والحرس الثوري لدعمه، ولاحقا منذ دخول روسيا على خط القصف العسكري من اجل انقاذ رئاسته من السقوط، اذ باتت روسيا هي من يقرر وهي من تحدد وجهة ما سيعتمده النظام من خطوات، والغرب لم يتح لروسيا الغطاء الفعلي للتدخل في سوريا سوى على هذا الاساس. وحين وجه مندوب روسيا في الامم المتحدة فيتالي تشوركين تحديدا وليس اي سياسي في موسكو تقريعا مباشرا للاسد على اعلانه انه سيواصل القتال الى حين هزيمة كل المعارضة المسلحة، فانما للاحراج الذي تسبب به الاسد لحليفته من زاويتين على الاقل. ويكتسب كلام تشوركين وقعا مهما لانه الكلام الاكثر صراحة ووضوحا من جانب روسيا كبلد حليف للنظام وليس عدوا له خصوصا بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، في توصيف واقع الاسد. الزاوية الاولى التي يمكن ان تكون احرجت روسيا هي انها قد ترغب في دعم توحيد سوريا تحت سيطرة الاسد ولو لم تعلن ذلك صراحة، لكن المسألة انها ستتحول حربا طويلة استنزافية على نحو يوجه رسالة خاطئة ومحرجة بالنسبة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ازاء الداخل الروسي الذي لا يرغب ويخشى خصوصا في ظل وضع اقتصادي متدهور انغماسا في الوحول السورية تشبه افغانستان. وهو امر من شأنه ان ينعكس سلبا لجهة التشكيك باهداف بوتين امام الرأي العام الروسي فيما هو يرغب في المحافظة على دعم قوي له لدى الروس في حربه. ومن الصعب تخيل ان تقبل روسيا ان يحدد لها الاسد برنامج عملها ليس للاشهر المقبلة بل للسنوات المقبلة فيما هي من تحدد له خطواته ما دامت تولت انقاذه من السقوط. لا يختلف الوضع هنا عن المثل الشائع “من يدفع يأمر”، وما دامت روسيا انقذت الاسد فهي من تحدد له روزنامة خطواته المقبلة. يقول تشوركين للاسد: “روسيا استثمرت بجدية بالغة في هذه الازمة سياسيا وديبلوماسيا والان على الصعيد العسكري، لذلك نود ان يأخذ بشار الاسد هذا في الاعتبار”. ويضيف: “اعتقد انه يجب الا يوجهنا، واذا ما اتبعت السلطات السورية خطى روسيا لحل هذه الازمة فلديهم فرصة الخروج منها مع حفظ كرامتهم… لانه ايا تكن قدرات الجيش السوري فقد كانت العمليات الفعالة للقوات الجوية الروسية هي التي مكنتهم من دفع معارضيهم خارج دمشق” قال تشوركين. ومن المهم التنبه في هذا الاطار الى الكلام الذي استخدمه الديبلوماسي الروسي والذي يذكر “السلطات” السورية اي الاسد، او يضعها في حجمه وبان انتصاره حتى الان هو انتصار لم يتحقق الا بمساعدة روسيا وان الطريق التي ترسمها هي التي ستحفظ له الخروج من الازمة بكرامته، وتاليا هي صاحبة المبادرة لانقاذه ولها اجندتها ومصالحها وليس هو من يقدر على توريطها في الوحول السورية وفق اجندته الخاصة او مصلحته. وكلام تشوركين الذي اكدته الخارجية الروسية من حيث ضرورة استماع الاسد وسواه الى النصائح الروسية، يلمح الى تناقض في المصالح والى ضغط تود ان تمارسه روسيا على النظام لوقف النار بغض النظر عما اذا كان ذلك سيحصل ام لا.

والزاوية الثانية ان ما قاله الاسد ينسف الدور الذي تسعى روسيا الى الاضطلاع به لجهة التوافق مع الغرب على حل سياسي في سوريا. فكلام الاسد يعني ان هناك حلا عسكريا للحرب التي يخوضها ضد شعبه في حين تلتزم روسيا الجلوس مع الشركاء الغربيين على قاعدة ان ثمة تفاوضا يجب ان يحصل للتوصل الى حل سياسي. وان يتوجه تشوركين للاسد بهذا الرد فانما لتجنب او الالتفاف على انتقادات في مجلس الامن لوضعه من النظام السوري في موقع حرج. فروسيا التي تطرح نفسها صاحبة مفتاح الحل في سوريا وتحاول ان تفرض نفسها على الغرب من هذه النقطة بالذات اي القدرة على الاتيان بالاسد والضغط عليه للتفاوض،لا يمكن ان ترعى حربا طويلة مكلفة لابقاء الاسد او للقضاء على غالبية الشعب السوري المعارض مع ما يعنيه ذلك على اكثر من مستوى كمشروع للقضاء على الطائفة السنية في سوريا او تهجيرها تحت عنوان القضاء على المعارضة الارهابية.

اللافت انه غداة توجيه الكلام الروسي القاسي للاسد اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعاهل السعودي الملك سلمان ودعاه الى زيارة موسكو، في حين انه سبق هذا الكلام توصل السعودية وروسيا الى اتفاق على تجميد انتاج النفط بغض النظر عن مفاعيل هذه الخطوة وتأثيراتها، لكنه اتفاق يحل مكان التوتر على هذا الصعيد نتيجة معاناة روسيا في الاساس من انخفاض اسعار النفط وتأثيره على اقتصادها بنسبة اكبر من المملكة. وهو اتفاق اثار تكهنات بما اذا كان يمكن ان ينسحب على توافق في شأن الوضع في سوريا ايضا خصوصا ان في الاسباب الاقتصادية الكثير من قرارات تتصل بالحرب.