اللجنة الفنية المكلّفة من رئيس الحكومة بمعالجة موضوع النفايات أنهت أعمالها، من دون أن تدخل لا في الخلفية الاستراتيجية للملف ولا في تفاصيل اختيار مواقع المعالجة. اللجنة التي تضم ممثلين عن وزارات البيئة والداخلية والتنمية الإدارية والصناعة والصحة ومجلس الإنماء والإعمار، إضافة الى مستشاري رئيس الحكومة، قدّمت تقريراً من عشر صفحات، رفض ائتلاف إدارة النفايات والتحالف البيئي توقيعه. صحيح أنها أخذت بكثير من اقتراحات المجتمع المدني، إلا أن النقطة المركزية التي بقيت موضع خلاف، هي إضافة مبدأ استرداد الطاقة من النفايات، أو تحويل النفايات إلى طاقة، إن عبر حرقها في المحارق أو عبر استخدامها كوقود بديل في أفران شركات الترابة وغيرها. وهذه النتيجة تردّنا إلى أصل المشكلة وأصل تشكيل اللجنة وكيفية إدارة هذا الملف. وإذا كان ما بُني على خطأ لا يولّد إلا نتائج خاطئة، فكيف إذا كان هذا الخطأ متمادياً مع الحكومات السابقة؟ وكان آخر هذه الأخطاء قد وقع في أولى حكومات العهد، حين تجاهل وزير البيئة طارق الخطيب مناقشة الاستراتيجية الشاملة لإدارة الملف، وقدّم خارطة طريق جاءت نتيجة تسوية سياسية لتقاسم المشاريع والمغانم وعائدات «سيدر»، ومن بينها تمويل معالجة النفايات عبر المحارق بمليارات الدولارات. وقد سارعت الأكثرية في مجلس النواب إلى تبني هذه الخارطة على عجل وتعديل قانون النفايات (وإقراره عام 2018) بما يتناسب مع الترويج لتقنيات التفكّك الحراري والوقود البديل… مع تجاهل متعمّد للاستراتيجية ومبادئها التي طُرحت في مجلس النواب عام 2017! واستمر النهج نفسه في الحكومتين، السابقة والحالية، مع سيطرة طبقة سياسية- علمية، لا تزال هي نفسها أيضاً، لا تفكر في حل مشاكل البيئة وأزماتها إلا عبر الاستثمار فيها. وبدل أن يغيّر وزير البيئة دميانوس قطار، والحكومة الجديدة، هذه المعادلة، بعد الحراك والانهيار الاقتصادي والإفلاس، وإعطاء الأولوية للبحث في الاستراتيجية ومبادئها، تواصل النهج نفسه، وأنجزت اللجنة الفنية تقريرها بالإبقاء على مبدأ استرداد الطاقة لتبرير الحرق. مع العلم أن المبادئ الاستراتيجية لمعالجة النفايات، كما عرضها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (أي المنظمة الأممية المتخصّصة في البيئة وليس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المسيطر)، لم تتضمن مبدأ استرداد الطاقة من النفايات كونه لا يخدم الاقتصاد والبيئة، ويخالف قواعد الاقتصاد الدائري التي تعتبر الحرق والترميد تقنيات نهائية لا دائرية. فيما تقوم المبادئ البيئية على استرداد المواد من النفايات وإعادة استخدامها أو تدويرها (وليس استرداد الطاقة)، مع ما يوفره ذلك من مواد أولية في الطبيعة ومن فرص عمل في الفرز والتخمير وإعادة التصنيع. وكانت إحدى دراسات الأمم المتحدة للبيئة، أكدت أن اعتماد تقنية حرق 10000 طن من النفايات يؤمن فرصة عمل واحدة، و6 فرص إذا اتُّبع نظام الطمر و36 فرصة لنظام التدوير و296 فرصة في حال اتُّبع نظام الفرز والتجديد وإعادة الاستخدام. أما في حال اعتماد نظام التخفيف، فإن ما لا يقل عن 30% من حجم النفايات تنخفض من دون الحاجة إلى أي تقنية ومن دون أي كلفة.
تبيّن في اللجنة التي كانت تعقد ثلاثة اجتماعات أسبوعياً، تراجع المتحمسين للمحارق، ليس لأنهم مقتنعون بالمبادئ، بل لأنهم اعترفوا بأن البلد مفلس ولن يستطيع أن يجلب مستثمرين لديهم شكوك في استيفاء فاتورة معالجة ستكون أكبر بكثير من فاتورة الجمع والطمر، وهم أخذوا علماً بأن الشركات الملتزمة، الآن، تعاني من هذه المشكلة. لذلك لم يبق للمروّجين للحرق إلا شركات الترابة لتأمين قسم من النفايات لأفرانها. وهذا ما يتخوّف منه البيئيون في لبنان، نظراً إلى تعارضه مع المبادئ البيئية والاقتصادية، وإلى عدم ضمان حصول فرز للنفايات وفصل تلك الخطرة جداً إذا ما تم إحراقها، أينما كان، ولأن بينها ما هو قابل للتخمير أو لإعادة التصنيع وذو جدوى اقتصادية، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها.
إلى ذلك، هناك ملاحظات كثيرة على طريقة اللجنة في توزيع الأماكن الخدماتية للمعالجة والأسس الفنية المعتمدة وتجاهل النفايات غير المنزلية الصلبة والسائلة وتلك التي تحتاج إلى معالجات خاصة… والتي كان يمكن أن تعالَج أفضل لو كانت هناك استراتيجية، أو لو اجتمعت لجنة الاستراتيجية قبل اللجنة الفنية، ووضعت خارطة الطريق واقترحت التعديلات المطلوبة على قانون النفايات الذي أُقرّ غب الطلب، ولأهداف تغيرت كلياً بعد الأزمة.
كما لم نفهم من اقتراحات اللجنة التي جمعت معظم أصحاب الخبرة في معالجة حالات الطوارئ، وخلت من وجود استراتيجيّ واحد بين أعضائها، ماذا ستفعل بعد شهر، أو أكثر قليلاً، حين تنتهي القدرة الاستيعابية لمطمر الجديدة الممدّد له برفع مستواه متراً ونصف متر؟!