Site icon IMLebanon

أزمة النفايات ليست تقنية بل سياسية مرتبطة بالتنفيعات

 

في ختام إجتماع اللجنة الوزارية المُكلّفة بحث ملفّ النفايات، والذي عُقد برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الحُكومي مطلع الأسبوع الحالي، أعلن وزير البيئة طارق الخطيب أنّ اللجنة لم تتخذ قراراً بشأن خطة توسيع مطمري «الكوستابرافا» «وبرج حمّود»، وأنّ البحث أرجئ إلى موعد لاحق يُحدّده رئيس الحكومة. فلماذا لا يزال ملفّ النفايات جاسماً على صُدور اللبنانيين بعد مرور 27 سنة على نهاية الحرب، مع كل ما يعنيه هذا الأمر من تهديد لنظافة مدنهم وبلداتهم وقراهم، إضافة إلى تسبّبه بتلويث البيئة والمياه الجوفيّة والهواء، وبتفشّي العديد من الأمراض الصحّية الخطيرة، خاصة عند اللجُوء إلى حرق النفايات أو إلى طمرها بشكل عشوائي؟!

مصدر مُطلع على خفايا ملفّ النفايات، ذكّر بأنّ المُشكلة بدأت مطلع العقد الحالي عندما قرر جزء من السُلطة السياسيّة وقف التنفيعات المالية الضخمة التي كانت تذهب لمجموعة «أفيردا» التي تضمّ شركتي «سوكلين و«سوكوم إنترناشيونال ـ سوكومي»، فقامت الجهات السياسيّة التي تقف خلف هذه المجموعة بعرقلة هذا التوجّه، عبر تأخير بتّ الحلول، وعبر حماية الشركة لأطول فترة مُمكنة من خلال خفض جزئي لأرباحها، ومن خلال توكيلها بعض المهمّات المحدودة، بالتزامن مع تعمّد إغراق لبنان بالنفايات خلال صيف العام 2015، عند إقفال مطمر الناعمة من دون إيجاد البدائل. وأضاف المصدر أنّه منذ ذلك الحين حتى اليوم، تلجأ الدولة إلى حلول جزئيّة وقصيرة المدى، في ظلّ سلسلة من الفضائح، من بينها على سبيل المثال مسألة ترحيل النفايات من لبنان إلى الخارج التي جرى التعويل عليها كحلّ للمُشكلة مطلع العام 2016 الماضي قبل أن يتبيّن أنّه لا يوجد أي مُوافقة أجنبيّة على هذا الطرح الذي فشل في مهده! وتابع المصدر نفسه أنّه على الرغم من المُزايدات ومن كل التراشق الإعلامي الذي حصل في السنوات القليلة الماضية بشأن ملفّ النفايات والمُطالبة بلجان تحقيق بالصفقات التي تمّت، وعلى الرغم من كل الإتهامات التي سيقت ضُد شركة «سوكلين» عن تضخّم في عُقود تشغيلها وعن طمرها نحو 85 % من النفايات التي كانت تجمعها على الرغم من تقاضيها أموالاً كبيرة لمُعالجة النفايات وفرزها، فإنّه جرى غلق أبواب الماضي بشكل كامل من دون إيجاد أي أفق حلّ مُستدام للمُستقبل، علمًا أنّ شركة «سوكلين» بقيت تعمل جزئياً ـ بتكليف من السُلطات الرسميّة، حتى تاريخ 14 أيّار 2017، قبل أن تتوزّع المهمّات التي كانت تقوم بها على شركات أخرى وعلى البلديات بشكل غير مُنظّم.

ورأى المصدر المُطلع على خفايا ملفّ النفايات أنّ المشاكل التي تعيق إيجاد الحلول في هذا الملفّ الشائك مُتعدّدة ومُتداخلة. وأوضح أنّه في الشق التقني، المُشكلة الكبرى التي إصطدمت بها السُلطة السياسيّة تكمن في أنّ الثقل السُكاني في لبنان يتركّز في بيروت وضواحيها، وفي جبل لبنان، ما يعني أنّ الجزء الأكبر من النفايات يأتي من هذه المناطق التي لا يُوجد فيها أي مكان خال من السُكان لتنفيذ أعمال الطمر، حتى لو جرى مُعالجة النفايات وفرزها، وهو ما لم يحصل أصلاً حتى تاريخه. وأضاف أنّ إقتراحات إيجاد مطامر خارج هذه المناطق، أكان في الشمال أو البقاع أو غيرها، إصطدمت بعوائق ميدانية حيث على الشاحنات عبور مسافات طويلة وسط الزحمة (في حال الإتجاه إلى منطقة الشمال)، ووسط صُعوبات برّية ومناخيّة مُختلفة (في حال الإتجاه إلى منطقة البقاع)، إضافة إلى رفض سُكان الأطراف أن تكون بلداتهم أو قراهم مطمراً لنفايات بيروت وغيرها من المناطق. وتابع أنّه عند طرح لامركزية رمي النفايات، أي أن تقوم كل منطقة بإيجاد مكان لطمر نفاياتها، كاد الأمر يتحوّل إلى خلافات طائفيّة ومذهبيّة، إضافة إلى الفشل في إيجاد مطمر مناسب للمنطقة التي كانت تُسمّى في زمن الحرب «المنطقة الشرقية».

وشدّد المصدر نفسه على أنّ المشاكل التقنيّة يُمكن أن تجد لها الحلول المناسبة، في ما لوصفت النيّات، بدءاً بتنفيذ خطّة فرز جدّية وشاملة للنفايات، مُروراً بإقامة معامل مناطقيّة صغيرة لمُعالجة هذه النفايات بعد أن تصلها مفروزة من المصدر، وحتى معامل تحويل النفايات إلى طاقة، وُصولاً إلى إعطاء حوافز للمناطق وللبلديات التي ستستقبل النفايات غير القابلة لإعادة التدوير، لطمرها في نطاقها. وذكّر المصدر أنّه كان مثلاً هناك إقتراح بأن يتم تحويل مناطق طمر النفايات في برج حمّود إلى ملاعب رياضيّة وساحات خضراء للتنزّه ومُمارسة هوايات رياضيّة مُختلفة، تمتدّ على مساحة 360 ألف متر مربّع، على أن تُمنح السُلطة فيها إلى بلديّة برج حمّود، لكنّ كل هذه الإقتراحات ذهبت مع الريح بسبب عدم جدّية التعاطي السياسي مع الموضوع، حيث إستمرّ الطمر بشكل عشوائي ومن دون أي فرز فعلي مُسبق. وأضاف المصدر أنّه من بين الإقتراحات أيضاً منح البلدات والقرى التي سيتم إيجاد مطامر فيها إعفاءات ضريبيّة ومالية مُختلفة عن فواتير الكهرباء والمياه مثلاً، لتشجيع سُكانها على عدم الإعتراض على الأمر، خاصة في حال جرى طمر النفايات بكميات قليلة ووفق أساليب علميّة مدروسة لا تتسبّب بأي روائح أو إنبعاثات ملوّثة أو حتى بأي تشويه للطبيعة.

وأوضح المصدر المُطلع على خفايا ملف النفايات أنّه يتمّ حالياً نقل نحو1500 طنّ من النفايات بشكل يومي إلى كل من مطمري «كوستابرافا» و«برج حمود»، وهذا الواقع فرض توسيع المطمرين ميدانياً بشكل تدريجي على الرغم من الإعتراضات الكلاميّة، وعلى الرغم من مآخذ الخبراء البيئيّين على موقعهما الملاصق للبحر، مع كل الأضرار البيئية الناجمة من ذلك. وتابع المصدر أنّ تمديد العمل بالمطمرين المذكورين حتمي، لعدم عودة النفايات إلى الشارع، خاصة وأنّ أعمال إنشاء معامل التفكيك الحراريّ وغيرها من معامل مُعالجة النفايات لم تنطلق بعد، بسبب خلافات سياسيّة بين أركان الحُكم وأخرى مُرتبطة بالتنفيعات المناطقيّة والحزبيّة. وقدّر كلفة توسيع مطمري «كوستابرافا» و«برج حمّود» بما بين 120 إلى 140 مليون دولار، على أن يتم قضم المزيد من المساحات على شاطئ البحر، تُقدّر بدورها بما بين 150 إلى 200 ألف متر مربّع من خلال تلزيم جديد بهذا المعنى لشركة «الجهاد للتجارة والمُقاولات» في «الكوستا برافا» ولشركة «خوري للمقاولات» في «برج حمود». وقال إنّ السُلطة ستعمد إلى إنشاء معمل لمُعالجة النفايات في مكان الطمر في «الكوستا برافا»، يُسمّى «معمل للتسبيخ»، وهو مُشابه لمعمل مُماثل في «برج حمود» تعمل شركة «الجهاد للمُقاولات والتجارة» على إنشائه ومن المُقرر إنجازه في آذار المقبل، وذلك بهدف مُحاولة إمتصاص النقمة التي سيتسبّب بها الإعلان عن قرار توسيع المطمرين الحاليّين.

وخلص المصدر إلى أنّ أكبر إثبات أنّ المُشكلة سياسيّة وحلولها سياسيّة وليست تقنية، إستمرار عدم مُعالجة الكثير من نفايات بلدات الشوف وعاليه والتي لا تتعدّى 350 طنًا، ورفض ضمّها إلى «كوستا برافا» رداً على قرار إقفال مطمر الناعمة!