IMLebanon

أضعف الإيمان (الجنرال من «التصهير» إلى العبث)

لبنان يشبه الشعلة الأولمبية. يستعر بالنار إذا كان محيطه العربي هادئاً أو يترقب، وتخبو ناره وتنصرف الأنظار عنه إذا احتدم الصراع من حوله. لكن يبدو أن الجنرال ميشال عون يريد تغيير هذه الصدفة التاريخية، وزج البلد في مدرجات الفوضى. في عام 2009 عطل الجنرال تشكيل الحكومة من أجل توزير صهره جبران باسيل، واليوم يعاود ممارسة «التصهير» في المناصب الرسمية، ويشترط تعيين صهره الآخر شامل روكز قائداً للجيش.

لكن عون، هذه المرة، تجاوز تعطيل عمل الحكومة، والتلاعب بصورة الجيش وبنيته التنظيمية، ووصل إلى حد العبث بجدار الأمة، الذي حافظ على استمرار لبنان، وحماه من التمزق والسقوط، وهو مارس تحريضاً طائفياً، ومذهبياً غير مسبوقين. وصف «تيار المستقبل» بتنظيم «داعش»، واتهم رئيس الوزراء تمام سلام بالداعشية. ربما يسهل اتهام أحد بالداعشية، لكن من الصعب، والذنب اتهام ابن الراحل صائب سلام الذي حمل وردة حتى رحل. هذا خطاب خطير. السنّة في لبنان رمز لتمدن الأمة، وقدرتها على قبول التعددية، ورفض «التكتيل» والعسكرة، وضيق الأفق. وحين يأتي عون ويصور الأمة باعتبارها منظمة إرهابية فهو يسيء إلى صورة المسيحيين قبل المسلمين، ويسعى إلى معاودة فتح جرح الحرب الأهلية بطريقة مغولة بالتطرف والنزق.

لبنان لم يشهد خلال الحرب الأهلية وما بعدها تكتلاً سنياً في صيغة طائفية، ولم يحدث أن واجه السنة طرفاً في لبنان، بحكم تكوينهم القائم على أسس وطنية تستوعب الجميع. حتى الاغتيالات التي طاولت زعماء منهم لم تحرضهم على الحشد المذهبي، واعتبروا هؤلاء رموزاً للبلد. وهذا الموقف التاريخي المتحضر هو الذي أبقى استمرار لبنان كما هو، وكرس حقوق المسيحيين العرب ومكانتهم التاريخية في لبنان والمنطقة.

الشعارات التي يستخدمها «التيار الوطني الحر» في حملته الجديدة، تجاوزت في لغتها وأدواتها وتأثيرها، مسألة الخلاف على تحديد المسؤول عن إعاقة الوصول إلى تسوية سياسية في لبنان. هل يعي الجنرال النتائج التي يمكن أن تفضي إليها حملته على الأمة، وتحميلها مسؤولية الإرهاب والتطرف في المنطقة؟ أم أنه يلعب دور الانتحاري الذي فقد الأمل؟ هل من مصلحة اللبنانيين زج الأمة في صراع الطوائف في لبنان؟ هل يدرك «التيار الوطني الحر» خطورة هدم المدماك الذي يحمي لبنان من التشرذم؟

لا شك في أن التيار العوني يلعب دور العريس المحلل، ويخوض معركة بالنيابة عن آخرين في لبنان والمنطقة. وهو يحمل المسيحيين في لبنان وزراً لم يرتكبوه، ولا ذنب لهم فيه. ويجر البلد إلى حال بدأت آثاره تتوارى بين الأجيال الجديدة من اللبنانيين.

الأكيد أن حملة «التيار الوطني الحر» على الأمة، نزقة ومؤذية، لكن لا بد من مواجهتها على طريقة، فإن كلّمته فرّجت عنه وإن خلّيته كمداً يموت.