فكرتان تداولهما أنصار «الرأي المعارض» لـ»حزب الله» على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية الدعوى التي حرّكها الحزب ضد الزميلة ديما صادق: واحدة تعتبر أن لجوء الحزب الى القضاء والمقاضاة يعني خروجه من ذهنية أنّه القاضي بذاته ولذاته الذي يفتي ويقضي.. ويقضي. وثانية، تعتبر أنّ الحزب التعبويّ المسلّح برفعه دعوى ضد الإعلامية صادق في المباحث الجنائية وليس مجرد دعوى قدح وذم عادية في محكمة المطبوعات إنما يتقصّد الترهيب وحمل الإعلامية المذكورة ومن يشبهها في المهنة أو الموقف أو الرابطة الأهلية الى تغيير قناعة أو تحجيم فضاء التفكير والطرح ليتلاءم، عنوة، مع ما يريده الحزب. وطبعاً، يتفرّع عن الفكرتين في الحالتين سؤال عن «الوضع القانوني» و»المافوق قانوني» لـ»حزب الله»، وما إذا كان بنظر القانون اللبناني منظمة مقوننة أو منظمة، في تعريفها نفسه، خارجة على القانون، أو حامية لخارجين على القانون؟
لا تتناقض الفكرتان. فـ»حزب الله» لم يولد في اللحظة التي رفع فيها الدعوى على صادق، وليس لديه ذلك الباع الطويل في صون الحريات العامة والخاصة، وفي التنوير والليبرالية، والإنصات المرهف للرأي الخاص وعشق الشرعة العالمية لحقوق الإنسان. عندما يرفع دعوى على إعلامية، فهو يحرّك أيضاً ماكينة تعبوية ودعائية واسعة ضد هذه الإعلامية. يرفعها جماعة. يرفعها بكامل أجنحته – إذا ما أخذنا تقسيم الاتحاد الأوروبي الخزعبلاتي لماهية «حزب الله» بعين الاعتبار.
لكنه أيضاً حزب لا يختصر فقط بمقولة إنه «ضد الدولة»، إنه ضد الدولة وفيها، فوقها وتحتها وعلى جانبها وداخلها، داخل كل مؤسساتها، داخل كل أجهزتها، يمسك فيها، يعطّلها في أغلب ما يفعل، لكنه حتى إشعار آخر يتحصّن بها، يتغذّى منها، «الودّ ودّه» لو كان بمستطاعه أن يستخدمها حين يريد، ويحفظها من استخدامات أخصامه، الى وقت حاجة له حين تحين الحاجة. إنّه حزب تغلّبي فئوي لكنه حزب مراوغ بامتياز، وهو مراوغ تحديداً لأنّ تغلّبيته لا يصحبها مشروع متكامل كي يصل الحزب الى السلطة. بالعكس. الحزب الذي يريد الاحتفاظ مطولاً بالإمرة في لبنان لا يريد الوصول الى السلطة، يريد المشاركة فيها، بتعطيلها أو بفك تعطيلها مقابل شروط، وهكذا، ولسنوات طويلة.
الدعوى على صادق في هذا المجال تلخّص «حزب الله» في صورة مفيدة: إنّه «حزب» يعبر الى الدولة ضد ديما صادق. إنّه حزب يعتبر أن مفهوم الدولة مفيد في هذا النوع من القضايا بالتحديد. في مسائل أخرى، شبكة الاتصالات مثلاً عام ألفين وثمانية لم يخطر ببال «حزب الله» اللجوء الى القضاء. القضاء هو فقط عنده لتبرئة ذمة مسؤوليه من تهم بالفساد. وهذا بحد ذاته ضروري، لو كان لا يرتبط بتحريك آلة تعبوية جماعية لحزب مسلّح. سيكون سوريالياً في الوضع اللبناني دعوة «حزب الله» للإقلاع عن السلاح في مقابل السماح له برفع دعوى على إعلامية لبنانية، لكن المفارقة أنّ المعادلة هي فعلاً كذلك! وطبعاً، من جهة أخرى، التهم التي لا يكف الحزب والمحسوبون عليه عن سوقها من دون دليل، ضد أخصامه السياسيين، تجعل من هذه المعادلة تفرض نفسها أكثر!