Site icon IMLebanon

الحوار المشكور.. والمبتور

تلطيف الأجواء وتبريدها منعا من انتشار لهيب الاحتقانات السنية الشيعية، وتجنبا لأخطارها ونتائجها المتوقعة… كانت إحدى الغايات التي استهدفت من الحوار الذي بدأ منذ فترة ما بين تيار المستقبل وحزب الله، أوصلنا دون شك إلى مرحلة أكثر هدوءا، ونتوقف عند حد الهدوء والتلطيف في الكلام والجدل السياسي في هذه المرحلة التي ما زالت شديدة الوطء على الوطن والمواطنين، تختبئ في حناياها الأخطار وتتخفى بألف قناع وقناع، ومع هذا التوقف المتحفظ الذي تفرضه وتيرة الأوضاع العامة، لا بد من التوقف عند بعض المستجدات الإيجابية، فاستمرار الحوار ولو بسقفه المنخفض، يبقى عنصرا إيجابيا، دون أن يمحو من أرض الواقع، السلبيات الهامة والخطيرة التي ما زالت تهدد البلاد بأقسى وأشد التوقعات.

ولا بد من الإشارة إلى جملة أخرى من الايجابيات وفي طليعتها قدوم الرئيس سعد الحريري في عودة «مفاجئة» إلى لبنان لترؤس ورعاية الإحتفال الحاشد والمتقن الإعداد والتنفيذ، والذي أسهم من خلال تنظيمه الموفق وكلمة الرئيس سعد الحريري فيه وتأكيدها على الإستمرار في الوضعية الحوارية القائمة، تشبثا منه بوحدة وطنية ما زالت قائمة ضمن إطار متمسك بهذا الوطن المرتكز على وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، وإرادة العيش الواحد.

ومن ضمن الإيجابيات التي ما زالت قائمة، إعلان السيد حسن، عن توجيهه لمشاعر المواساة والعزاء في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إضافة إلى التصريحات والمواقف المعلنة من كل من الرئيس سعد الحريري والسيد حسن حول مكافحة الإرهاب، لما يتمثل به من مواقف وتصرفات واستهدافات مرفوضة من الإسلام والمسلمين إضافة إلى رفضها من الإنسانية جمعاء.

ونتوقف أمام محطتين متمثلتين بخطابين القاهما كل من الرئيس سعد الحريري والسيد حسن، لئن تلاقيا على ما تطرقنا إليه أعلاه فقد لبثت مواقفهما الأخرى من خلال تناقضات هامة ما زالت تهز البلاد وتهددها بأفدح الأخطار. مواقف تيار المستقبل و14 آذار، ما زالت متشبثة بمواقفها المعروفة التي تتمسك بصمودها وصلابتها متمثلة خاصة بالموقف من السلاح ومن مفهوم سيادة الدولة على أراضيها ومؤسساتها، ومن قفزات الحزب للقتال في سوريا متأبطا مزيداً من خلق التناقضات الداخلية من خلال ما أطلق عليه سرايا المقاومة، الجاهزة دائما لاختلاق المشاكل والاشكالات المرتبطة بحسابات صنعت لأجلها، إضافة إلى العائق الملحّ الذي تشارك حزب الله مع الجنرال عون في اختلاقه وفرضه على الوطن وعلى ديمقراطية ودستورية نهجه وعلى كل مفاهيمه وأعرافه السياسية والمتمثل بمنع انتخاب رئيس للجمهورية والحؤول دون إقرار قانون جديد للإنتخابات كما والحؤول دون إجرائها.

ولئن كان موقف تيار المستقبل يتطابق مع المألوف في النهج السياسي المعتمد في لبنان في ارتكازاته الوطنية والديمقراطية والمؤسساتية، الأمر الذي عالجه الرئيس سعد الحريري في خطابه الأخير، فإننا إذ نشيد بالقسم الإيجابي من مواقف السيد حسن لنشير «بالخط الأحمر العريض» إلى نقاط خلافية كانت قيد المواجهات والتجاذبات الحادة يبدأها سماحة السيد في دعوته إلى مواجهة الإرهاب والإرهابيين ويدعو محاوريه اليوم إلى أن يذهبوا برفقة مقاتليه لمحاربة الإرهاب في سوريا التي يرى في نظامها المحارب الأول للإرهاب، في الوقت نفسه الذي يحضّر فيه للإنتقال في مجابهاته إلى العراق، وربما لاحقا إلى اليمن والبحرين والى سوى تلك البلدان من المناطق الساخنة في العالم. وأهم ما يدعو اللبنانيين الى القلق من هذا النهج، أن سماحة السيد يعتبر أنه يحق له أن يتصرف كما يشاء نيابة عن اللبنانيين جميعا، وأنه يرى في إجرام وإرهاب الداعشيين بقتلهم وذبحهم حتى الآن عشرات معدودة من الذين طاولهم الظلم البغيض والمرذول والمرفوض عن طريق القتل والذبح والحرق، في مقابل ما يناهز ثلاثماية ألف قتيل ومئات الوف الجرحى والمهجرين طاولتهم براميل اللهب والمدفعية الثقيلة والصواريخ العشوائية، وإن بعض هؤلاء الشهداء المقتولين والمذبوحين والمحروقين، قد قضوا بنيران أسلحة مقاتلي حزب الله أنفسهم وبنيرانهم الأخوية والصديقة.

وبعد : إن أية دعوة، لنا نحن المواطنين اللبنانيين المسالمين، سواء كتلك التي سبق لحزب الله ان وجهها لخصومة في نهجه ودعوته لبقية المواطنين اللبنانيين للتوجه مع قواته للقتال في سوريا، او كانت لمرافقة وبمواكبة الحزب في قفزاته العسكرية كجيش «عالمي» يحق له أن يحط الرحال في أي مكان يختاره في هذا العالم الواسع إن أية دعوة موجهة إلى اللبنانيين لمشاركة الحزب في قفزاته الموجهة والمتوجهة إلى المجهول، مرفوضة مع خالص الشكر، اننا راضون بموقعنا اللبناني بعد ان ينقى من طموحات الآخرين ومطامع الحضارات الأخرى التي لطالما اثبتت عداوتها للحضارة العربية، وإننا لنتمنى أن يستعيد لبنان كله، فكرا وتصرفا منزها عن التوجهات الغربية التي لن تؤمن لنا ولأي في فئاتنا إلا مزيدا من الإضطراب والتصادم والابتعاد أقصى ما يمكن عن الاستقرار الجسدي والفكري الذي بتنا نحتاج إليه أشد بعد أن غطّسنا جميعا في شتى أنواع المزالق والأفخاخ الخطرة.