تعتبر مصادر تَرصُد موقع لبنان ضمن تفاعلات الموقف الدولي المستجِدّ نتيجة بدء اتّضاح سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنطقة، أنّ كلام النائب وليد جنبلاط الذي حدّد فيه سقفه السياسي من قانون الانتخاب، في مواجهة السقوف السياسية لدعم النسبية التي أعلنها رئيس الجمهورية أخيراً، لم يأت في توقيته المتأخّر إلّا بعد استطلاع خارجي أجرَته المختارة للمرحلة الدولية الجديدة في المنطقة.
وتقول هذه المصادر إنّ جنبلاط تأكّد من انّ الغرب يؤيّد إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، بغضّ النظر عن القانون الانتخابي الذي سيُعتمد فيها.
وتكشف انّ ما يهمّ واشنطن ومعها بريطانيا، هو ألّا يسود فراغ سياسي في لبنان من ايّ نوع كان، خشية من ان يؤدي الى جعل ساحته مكشوفة لـ«حزب الله» الذاهب الى مواجهة إقليمية جديدة في إطار عودة السخونة في العلاقات الايرانية – الاميركية الى مربّعها الاول السابق لتوقيع الاتفاق النووي.
يُصرّ أصحاب هذه النظرية الذين يقولون إنّ لديهم معلومات خارجية حولها، على انّ الأكثر ترجيحاً هو أن تجرى الانتخابات النيابية اللبنانية في موعدها، وأنّ جنبلاط غامرَ أمس الأول في إعلان سقفه السياسي في شأن قانون الستين، نتيجة تأكّده من أنّ فرَص «مناورة العهد للعب على أعصاب القوى السياسية الداخلية» لدَفعها إلى تبنّي النسبية، لا تحظى بتشجيع دولي، بل هي ستلقى معارضة دولية، لاعتبارات خارجية تخصّ موقع لبنان داخل وقائع هجمة ترامب على النفوذ الايراني في المنطقة.
وفي نظر هؤلاء إنّ الحل المتبقّي نظراً لعدم وجود هامش دولي يسمح بحدوث فراغ سياسي من ايّ نوع كان في لبنان، ولَو كان حتى انتقالياً، سيكون باعتماد قانون الستين معدلاً، عن طريق مخالطته بنسبية معينة، وذلك بغية حفظ ماء وَجه العهد.
وفي المقابل ترى مصادر انّ أصل خطة رئيس الجمهورية، كانت ترمي الى تمديدٍ تقني لمجلس النواب حتى أيلول المقبل، شرط أن يُفضي هذا التمديد الى سنّ قانون انتخابي جديد على أساس النسبية.
في كواليس اتصالاته العميقة، يطرح جنبلاط قضية اعتراضه على قانون الانتخاب النسبي، إنطلاقاً من ضرورة الحفاظ على دوره كممثّل للمكوّن الدرزي في استدامة عملية المصالحة في الجبل التي تدخل في صلب الحفاظ على الصيغة اللبنانية وعلى ميثاقية التعايش.
خلال بدايات الحرب الاهلية، رفض كمال جنبلاط نقل المعركة مع اليمين المسيحي – بحسب أدبيات الحركة الوطنية – الى الشوف، مُعَلّلاً ذلك بالقول انه اذا وصلت الحرب الى هذه المنطقة فستتحوّل حرباً أهلية تُهدّد بقاء لبنان، لأنّ الشوف هو أساس لبنان الصغير الذي أضيفت اليه الاقضية الاربعة ليصبح لبنان الكبير. ونَسف أساس لبنان الكبير يبدأ بنقل المعركة الى الشوف.
ومن وجهة نظر جنبلاط فإنّ قانون الانتخاب الجديد يجب ان يبدأ معياره الوطني في طريقة توظيفه بدعم شراكة التعايش في الشوف، وعدم تعريض المصالحة فيه لانتكاسة، ولذلك يطرح جنبلاط ضرورة اعتماد صيغة النسبية ضمن تسلسل موقعها في سلّة إصلاحات «إتفاق الطائف» التي تبدأ بإلغاء الطائفية السياسية ومن ثم الذهاب الى مجلس شيوخ، وتالياً اعتماد قانون النسبية الانتخابي.
بكلام آخر، فإنّ اعتماد النسبية من خارج ضوابط «اتفاق الطائف» هو عودة للحظة ما قبل نهاية الحرب الأهلية بعد انتقالها الى الشوف، أمّا تطبيقها ضمن روحية «الطائف»، فهو إصلاح متوازٍ لإعادة إنتاج التمثيل السياسي في البلد.
وداخل كواليس جنبلاط نفسها، المُتّصفة بأنها عميقة، يتمّ الحديث عن أنّ السجال الحالي حول قانون الانتخاب له صِلة بالحرب الصامتة والمُبكِرة الجارية على رئاسة الجمهورية المقبلة.
وطرح هذا الموضوع يبدو مُستهجناً في هذه الفترة المبكرة من عهد عون، لكنّ المصادر القائلة به، ترى انّ الثنائية المسيحية «القواتية» ـ «العونية»، تستبطن في داخلها بذور تنافس بين المشروعين الأكبرين على الساحة المسيحية، حيث يريد كل منهما احتواء الآخر على المدى البعيد. ومن هنا ثمة من يريد إنتاج قانون انتخاب يجعل الشوف علامة تفضيلية له في انتخابات 2017، ليقوّي حضوره داخل كل المعادلة اللبنانية والمسيحية.
طبعاً، كلّ من «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، يَنفيان هذه التفسيرات، ويصرّان على انّ العهد سيعرّض نفسه لمحرقة سياسية إذا عجز عن إقرار قانون انتخاب جديد، أقلّه غير «الستين». لكن داخل الثنائية الشيعية يوجد كلام آخر غير المعلن، ومفاده انّ صورة العهد تستطيع «ربما» تَحَمّل قانون انتخابي على أساس «الستين» ولَو معدلاً، ولكنها لا تتحمل تمديداً لمجلس النواب من ربط ذلك بإنتاج قانون نسبي.
قصارى القول إنّ معركة إنتاج قانون إنتخابي جديد دخلت «مرحلة الحقيقة»، بعدما اصبحت المناورات السياسية «لعبة» ليست مفتوحة، بل باتَ لها سقوف داخلية تتمثّل بموقف جنبلاط، وخارجية تتمثّل بمنع الفراغ لأيّ سبب كان، وتحت أي ظرف.
وبهذا المعنى أصبح العهد، كما القوى السياسية الاخرى، مضطرّين الى البحث عن توافق سياسي يحفظ ماء وجه الجميع ومصالحهم، وذلك قبل موعد انتهاء المهمل الانتخابية، لأنّ الاستجابة للشرط الدولي المُستجد بعدم السماح بفراغ، أصبح أصل «حكاية» قانون الانتخاب في لبنان.