Site icon IMLebanon

الغرب: حكومة اللون الواحد «تُحرّرنا»؟

 

 

يعترف قطب سياسي أنّه كان هناك مشروع جدّي لدى بعض القوى السياسية يهدف الى دفع الرئيس المكلف حسّان دياب الى الاعتذار، وإذا تعذّر ذلك يتمّ إسقاط الحكومة التي يؤلّفها في مجلس النواب عبر حجب الثقة عنها، وذلك في حال ظلّ مصرّاً على حكومة الاختصاصيين المستقلين، ولم يستجب الدعوات الى تأليف حكومة سياسية، تفرضها المواجهة الاميركية ـ الايرانية التي حصلت في العراق وما يمكن ان يكون لها من مضاعفات وتداعيات.

 

لم يستجب دياب دعوات بعض القوى السياسية لتأليف الحكومة السياسية بدلاً من»حكومة الاختصاصيين المستقلين» التي لم تعد صالحة، في رأيهم، نتيجة المرحلة الإقليمية الجديدة التي فتحتها المواجهة الاميركية ـ الايرانية في بلاد الرافدين.

 

لكنّ هذه «الحكومة السياسية» صرف النظر عنها بعدما تبين انّ قوى سياسية وازنة لم تحبذها، مؤكدة انّ الاولوية في ظلّ الازمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة كانت ولا تزال لتأليف حكومة اختصاصيين تستطيع وضع الخطط والبرامج والمعالجات اللازمة لهذه الازمة التي لا تتحمل أي تأجيل، لأنّ كل يوم يمر من دون معالجتها تنزلق البلاد اكثر فأكثر الى الانهيار.

 

عند تكليف دياب لم يبق ايّ فريق سياسي إلّا ونادى بتشكيل «حكومة اختصاصيين مستقلين» او «حكومة تكنوقراط». الذين لم يسموا دياب كان موقفهم يتناغم مع موقف الرئيس سعد الحريري الذي عزف عن التكليف ثم عاد عنه ثم عزف مجدداً لأن الآخرين لم يتجاوبوا مع مطلبه تأليف «حكومة اختصاصيين» خالية من السياسيين، على رغم ان هؤلاء لم تكن علاقتهم به على ما يرام في الاشهر الاخيرة من السنة المنصرمة وكان مأخذهم عليه بقاءه من التسوية الرئاسية التي يعتقدون انّ العهد والقوى الحليفة له قد خرجت عليها وجعلت منه شريكاً لها في كلّ شيء لتمسّكه بالبقاء في رئاسة الحكومة طوال عهد الرئيس ميشال عون، حيث لم يكن متوَقَعاً ان تستقيل حكومته، وكان كثيرون يرددون انّها باقية على الاقل حتى الانتخابات النيابية في ايار 2022، بل حتى نهاية ولاية عون خريف السنة نفسها في حال تمديد ولاية المجلس النيابي الحالي لعلة ما يمكن ان تبرز.

 

أمّا بقية الافرقاء السياسيين الذين سموا دياب الذي التزم علناً بعد استشاراته النيابية ان يؤلف «حكومة اختصاصيين مستقلين» مكرراً عبارة مستقلين مرات عدّة على مسامع الإعلاميين والرأي العام لدى إنجازه تلك الاستشارات تحت قبة البرلمان. وقد زايد هؤلاء الافرقاء دياب في تأييد هذه الحكومة التزمها بعضهم وكأنها «ايديولوجيا المرحلة» او «نهج حياة» لم يعد من مفرّ من التزامه.

 

غير انّ المفاوضات اظهرت وتظهر حتى ان اختيار «المستقلين» لم يأتِ «على المسطرة»، فدياب لم يتمكن من ان يؤلف تشكيلة وزارية بمفرده من دون التشاور في اختيار وزرائها مع مختلف القوى السياسية التي سمته لهذه المهمة في الاستشارات النيابية الملزمة، واذا بمشهد التأليف يُظهر ان الشعار هو «حكومة اختصاصيين مستقلين». اما طريقة التأليف فلم تختلف عن تأليف الحكومات السياسية السابقة.

 

ولم ينته الامر عند هذا الحد، فصحيح ان الاسماء المطروحة للتوزير تبدو حتى الآن مستقلة، ولكن استقلاليتها هذه تنتهي لمجرد انّ قوى سياسية سمّتها للرئيس المكلف الذي كان ولا يزال يقبل هنا ويمانع هناك، الى درجة انّه يلوّح بطريقة غير مباشرة بأنه يستطيع «الإقامة» في موقع التكليف والتأليف طويلاً من دون ان يعتذر، متمسكاً بتأليف «حكومة الاختصاصيين المستقلين»، ليتبين لاحقاً أن الرجل يرتكز في هذا الموقف، ليس الى الدستور الذي لا يلزمه بمدة زمنية لتأليف الحكومة فحسب، وانما يستند أيضاً الى مناخات ومعطيات متينة تشير الى انّ دولاً اقليمية معطوفة على دول خارج الاقليم وضعت سيناريوهات وخطط جديدة لاستعادة او لتأمين مصالحها في لبنان ستظهر لاحقاً.

 

الذين عادوا الى طرح الحكومة «التكنوسياسية» في ضوء المواجهة الاميركية ـ الايرانية الاخيرة التي بدأت باغتيال اللواء قاسم سليماني ثم بالقصف الايراني لقاعدة «عين الاسد» الاميركية في الانبار، توقعوا ان يتجاوب دياب معهم ويخرج من «جلباب» التكنوقراط، لكنه تمسك بموقفه، ولكنهم تراجعوا لاحقاً عن سيناريو إحراج الرجل لإخراجه عندما علموا ان حزب الله لم يغير رأيه ويدعو الى حكومة سياسية، إذ كان هؤلاء يتوقعون ان يكون «الحزب» اول المطالبين بمثل هذه الحكومة بعد التطور الاميركي ـ الايراني. اذ بعدما اندفع رئيس الجمهورية ميشال عون و»التيار الوطني الحر» وآخرين الى طرح الحكومة السياسية، بادر دياب الى الاتصال بقيادة حزب الله ليسألها رأيها لاعتقاده ان موقف عون و»التيار» وآخرين ربما يكون منسقاً معها، فكان جوابها له بدعوته الى الاستمرار في مهمته وانّ ما يهم الحزب هو ان تكون للبلاد حكومة تعالج ازمتها المستفحلة مالياً واقتصادياً وتكافح الفساد.

 

موقف الحزب هذا الذي اوقف السيناريو الهادف لاسقاط دياب، لكن تبين لاحقاً لبعض الذين ساروا في هذا السيناريو لأنه حاكى رغبته بـ»التّخلّص» من دياب انّ من نسجه انما كان يريد التعمية على هدفه للاستحواذ على غالبية المقاعد الوزارية، او على الاقل الامساك بـ»الثلث المعطل».

 

ولكن فيما انتظم مسار التأليف على خط «الاختصاصيين المستقلين» بدأ بعض القوى السياسية يدفع في اتجاه ان تأتي الحكومة «سياسية مقنعة» عبر توزير بعض المحاسيب والاصدقاء «المضموني الولاء» بما يجعل من هؤلاء وزراء بالوكالة أو غير مباشرين لا مفر امامهم من خدمة مصالح الجهات التي سمّتهم.

 

بيد ان بعض السياسيين المطّلعين على الموقف الغربي من التطوّرات اللبنانية يقولون ان الغرب ينتظر تأليف «حكومة اللون الواحد» في لبنان ليبدأ بعدها حملة ضغط كبيرة على لبنان، وتحديداً على القوى السياسية التي انتجت هذه الحكومة، وذلك اعتقادا من الغربيين انها ستحكم لبنان وستنهي مصالحهم فيه، وان الموقف البريطاني بتصنيف حزب الله بشقيه السياسي والعسكري «منظمة إرهابية» هو بداية هذه الضغوط الغربية على لبنان وعلى حزب الله وكل اصدقائه وحلفائه.

 

 

ويضيف هؤلاء السياسيون «ان الغرب ارتاح الى تأليف هذه الحكومة لأنها لا تتضمن أيّاً من حلفائه الذين كانوا رهائن لا حول لهم ولا طول في حكومات الوحدة الوطنية السابقة بما كان يمنعه من اتخاذ اجراءات او خطوات ضد حزب الله وحلفائه مراعاة لوجودهم، اما الآن فقد تحرر من هذا الامر لأن الرهائن قد ماتوا، بمعنى انهم لم يشاركوا في الحكومة، وبات في امكانه التصويب كيفما يريد على اعدائه وان لبنان في هذه الحال لن يحصل على القروض والمساعدات المقررة في مؤتمر «سيدر» وغيره».