IMLebanon

«الآرمادا الغربية» بكلها وكلكلها مقابل المقاومة؟!

 

 

هل العالم الغربي في حاجة فعلاً لجمع كل هذه الأساطيل الأميركية والإنكليزية والفرنسية لدعم إسرائيل المدججة بالأسلحة الفتّاكة من الرصاصة حتى القنابل النووية (400 قنبلة)؟ للوهلة الأولى عندما تتخيّل هذا المشهد، تعود بك الذاكرة الى كتب التاريخ حيث «الآرمادا الأسبانية» وهي البحرية التي كانت تشكّل الأسطول البحري الأسباني (الذي كان لا يُقهر بحسب جنرالات الجيش الأسباني).

«الآرمادا الغربية السياسية والديبلوماسية»، التي نراها اليوم، حيث لم يتبق أحد من العالم الغربي والأوروبي تحديداً، إلا وهبّ للدفاع عن «الوديعة الإلهية»، (وديعة هاري ترومان) في الشرق الأوسط، ولِمَ لا يأتي الى فلسطين المحتلة للدفاع عن هذه «الوديعة» رئيس أعظم دولة في العالم جو بايدن ورئيس «بلد الحرّيات» وبرج إيفل إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء دولة «بريطانيا العظمى» ريشي سوناك (أوليس آرثر بلفور هو من أعطى اليهود حق المواطنية في فلسطين المحتلة؟، وهو الذي: «أغدق على اليهود وعداً بالعودة إلى أرض الميعاد، وأنّ هذه العودة هي شرط مسبق للعودة الثانية للمسيح، وأنّ هذه العودة الثانية تحمل معها خلاص الإنسانية من الشرور والمحن ليعمّ السلام والرخاء مدّة ألف عام تقوم بعدها القيامة وينتهي كلّ شيء كما بدأ)». وغيرهم من الرؤساء والوزراء… الخ.

تصريحات الرئيس الأميركي والرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء البريطاني، تبدو وكأننا أمام معركة استعمارية جديدة، من خلال ما عبّروا عنه من تأييد مطلق لإسرائيل ودعمها بأنواع الأسلحة المدمّرة المختلفة وإطلاق يدها في تدمير قطاع غزة وارتكاب المجازر بلا هوادة، وكأننا أمام «آلهة العصر الحديث»، الذين يريدون لنا أن نُلقي لهم بالأضحية من دماء الأبرياء والرضّع (نحن بالنسبة اليهم كما يقولون باللغة العبرية «غوييم» أي حيوانات).

 

النقاشات تدور بين المستشارين العسكريين وجنرالات أميركا (فرقة «دلتا» أقوى فرق الجيش الأميركي) وإسرائيل، حول وضع الخطط المناسبة لاجتياح غزة، والاجتياح البري يُؤجّل يوماً بعد يوم وينتهي الأسبوع الثالث على عملية «طوفان الأقصى» وما زالوا ينتظرون! تُرى ألم تحارب جيوش أميركا في جبال تورا بورا (الغبار الأسود) شرق أفغانستان وفي نيكاراغوا وفي فيتنام وفي مصر وسوريا ولبنان… وفي… الخ! أليس لديهم الخبرة الكافية؟ أم أنّ غزة لها حساباتها الخاصة؟ يريدون للعالم أن يصدّق أنّ ثمة عقدة ما لا يستطيعون فكّها! أم أنّ هناك شيئاً ما يُدبّر خلف كواليس الأروقة السياسية والديبلوماسية، والتي يُراد منها فرض خرائط جديدة، أين منها لبنان لا أعلم؟

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قال في الأمس: «هناك مخاطر أن يصل النزاع الدائر في غزة الآن إلى لبنان وإلى الضفة الغربية». ووزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن قال: «أي نزاع واسع النطاق ستكون له تداعيات وخيمة على المنطقة والعالم». والمندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نيبنزيا قال: «النزاع في غزة قد يؤدي إلى ابتلاع المنطقة وهناك مخاوف من اتساع نطاقه». ووسائل الإعلام الإسرائيلية روّجت انّه «على إسرائيل الاستعداد لأسوأ السيناريوهات، حيث ستضطر إلى القتال على جبهتين في وقت واحد (الشمالية والجنوبية)».

 

المؤشرات الخطيرة تتوالى تباعاً، ودائرة النيران تتسع، ومن الجيد أن يبدأ الحراك السياسي في لبنان، ومن الجيد أيضاً ان تبدأ الاتصالات بين السياسيين على اختلاف انتماءاتهم وتنوّعهم لأخذ التدابير اللازمة فيما لو توسعت الحرب في المنطقة. ولكن من الجيد ايضاً أن يعوا أنّه إذا تمّ اجتياح غزة وتمّت هزيمة حركة «حماس»، سيكون الدور التالي على لبنان، لأنّه بات الخاصرة الأقوى الى جانب إسرائيل، ولأنّه ممنوع أن يكون في المنطقة من يقول «لا» لإسرائيل ولأميركا.

 

والسؤال المفصلي… لماذا لا تتداعى الأقطاب والنخب السياسية في لبنان للإلتقاء (وهذا الحدّ الادنى) للوصول إلى توافق حول سبل مواجهة هذه المرحلة المقبلة، أوليس الجميع يعمل لمصلحة البلد، والجميع يبدي استعداده للتضحية بالغالي والنفيس لأجل لبنان وقيامة لبنان؟ البلد ينتظر جحيماً آتياً، وهذا ما يبشّر به الديبلوماسيون على اختلاف مشاربهم، والسياسيون عندنا لا همّ لهم سوى المناكفات والنكد السياسي.

 

الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كان سبّاقاً إذ قال: «الداخل اللبناني يستطيع أن يوحّد الصفوف وأن ينبذ الأصوات المقيتة والكريهة، لأنّ هذه المرحلة هي الأخطر التي تهدّد لبنان». وذكّر أنّ «في الماضي كان ثمّة بعض الضوابط وبعض القوى التي تتدخّل من أجل وقف الحروب في لبنان، وساطات، لجان مشتركة وعربية وغير عربية، اليوم لا شيء، أصدقاء الأمس، الغرب، اضمحلوا، والعالم العربي في حالة ضياع، لذلك نستطيع أن نقوم في لبنان بجهد جبار».

 

الحراك السياسي القائم الآن ما زال في حدّه الأدنى، والآن الفرصة سانحة للبنانيين لتحصين بلدهم وسط هذه العواصف وإعادة ترسيم الخرائط مجدداً؟ لماذا لا يتمّ التوافق على الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، فالمرحلة تتطلّب رئيساً قوياً يستطيع مواجهة مخطّطات التوطين الفلسطيني وعدد من النازحين السوريين، ويستطيع القول «لا» في اللحظة المناسبة ويقاوم المشاريع المرسومة للبنان، فمشروع جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب ما زال مطروحاً (توطين الفلسطينيين مقابل رشوة مالية بمليارات الدولارات)، وفي 7/11/2022، قالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف «إنّ لبنان مفتوح على كل السيناريوهات، بما فيها تفكّك كامل للدولة، وإنّ اللبنانيين سيضطرون على الأرجح إلى تحمّل مزيد من الألم قبل تشكيل حكومة جديدة، ونحن أيضاً نضغط بنحو مباشر على القادة السياسيين هناك لإنجازعملهم، وعاجلاً أم آجلاً سينفجر الوضع مجدداً، وهذا النوع من الضغط هو الأسوأ، الذي قد يواجهه القادة السياسيون».

 

الجميع يعلم أنّ إسرائيل فوق قوانين المجتمع الدولي وتضرب بها عرض الحائط. فلا يظنن أحد أنّ لبنان في منأى عن التغوّل الصهيوني الجاري في قطاع غزة. إذا لم يكن لبنان محّصناً لمواجهة هذه المرحلة فلن يرى أحداً يقف الى جانبه ولا تبقى له الاّ دعوات الصالحين.