لمعركة البقاع الغربي – راشيا دلالاتها. الرابحون لم يفوزوا بأصواتهم فحسب، بل كان الصوت السني هو المرجّح. انخفضت نسبة الأصوات التي حصل عليها حسن مراد بشكلٍ لافت مقارنةً مع أصوات عبد الرحيم مراد في عام 2018، في حين نجح وائل أبو فاعور وقبلان قبلان في الحصول على أصوات سنيّة. كان الأول يريد حماية مقعده، والثاني يريد تسجيل أعلى نسبة أصوات تفضيليّة… وهو ما حصل
صحيح أن لائحة «الغد الأفضل» التي ترأّسها حسن مراد نالت نحو 29 ألف صوت في دائرة البقاع الغربي – راشيا، إلا أن ذلك لم يكن كافياً للوصول إلى أكثر من 3 حواصل (سني وشيعي وماروني)، مع تدني نسبة التصويت السني إلى ما دون الـ35%. وهذا ليس المؤشر الوحيد المقلق لحيثيّة آل مراد في المنطقة، إذ إن الرقم الذي سجّله رئيس اللائحة حسن مراد كان منخفضاً بتدني نسبة الأصوات التي نالها بنحو خمسة آلاف عن الـ15000 صوت التي حصل عليها والده عام 2018 عندما خاض معركته في وجه مرشحَي الرئيس سعد الحريري.
ليس السبب اختلاف شخصيّتي حسن و«أبو حسين»، بل الاعتبارات كثيرة. أوّلها النقمة الشعبيّة على «أحزاب السلطة» التي تُرجمت في صناديق الاقتراع بحصول لائحة «سهلنا والجبل» على 11397 صوتاً. فيما يلفت متابعون إلى أنّ مراد لم يعمل بالجهد المطلوب، بل اتكأ على رصيد والده وسنوات من العمل المباشر مع أهالي المنطقة في مؤسسات «الغد الأفضل» التي كان يرأسها. إلا أنّ هذا ليس وحده ما جعله يتراخى في خوض المعركة، باعتبار أن مقعده مضمون بعد تركه مقعداً سنياً شاغراً، وإنّما لأنه يعرف أن الأعمال الانتخابية الإضافية التي سيقوم بها ستصب في مصلحة حلفائه على اللائحة التي شُكّلت أصلاً بضغطٍ من حزب الله لفرض مرشح التيار الوطني الحر شربل مارون. لذلك، ربما يكون مردّ هذا التراخي إلى تقصّده عدم خوض معركة الآخرين على أكتافه. فكانت النتيجة بأن طار إيلي الفرزلي عن اللائحة وحطّ غسان السكاف مكانه بـ776 صوتاً.
ليس مراد وحده من ساهم بالإطاحة بالفرزلي، بل كانت لمرشح حركة أمل قبلان قبلان مساهمته أيضاً. فقد غرف من صحون الجميع وعمل ضد حلفائه قبل خصومه بهدف الحصول على أعلى نسبة من الأرقام التفضيليّة، وحقّق ذلك بنيله 10143 صوتاً. ويتردّد أنه أخذ بلوكاً سنياً من درب مراد يُقدّر بأكثر من 2500 صوت، فيما حرم الأخير في المقابل من بلوكٍ شيعي من أكثر من 1500 صوت (بعضهم حزبيون سابقون في حزب الاتحاد وعاملون في مؤسسات «الغد الأفضل»).
ما حصل مع قبلان تكرّر أيضاً مع وائل أبو فاعور الذي تمكّن، بخطابه القائم على استهدافه من «النظام السوري وحلفائه»، من نيل أكثر من 2000 صوت سني، وبنسب أقل بكثير لصالح الأرثوذكسي غسان السكاف.
لعبة الحواصل أطاحت أيضاً بالنائب محمد القرعاوي الذي حصل على 4811 صوتاً أمام ياسين ياسين. يعتبر كثيرون أنّ الـ6004 أصوات التي حصل عليها الأخير ليست بجهده الخاص ولا حتّى بسبب الحراك المدني، خصوصاً أن المعارضين يؤكدون أنه ليس من رحم «ثورتهم»، بل هو أقرب الى المجموعات الإسلامية المتطرّفة ولا يشبه مزاجهم العام. ويؤكّد المتابعون أن تيار المستقبل الذي وعد القرعاوي بدعمه، صبّ أصواته في مصلحة ياسين الذي تضمّ ماكينته أشقاءه المنظّمين في التيار والمحسوبين على تيار المستقبل، ليتبيّن فعلياً أن «صيت الدعم» كان للقرعاوي وكان الفعل لياسين.
يؤكد القرعاوي أن الصوت المستقبلي لم يصبّ في مصلحته، ويعرب عن قناعته بأن النتيجة ليست بريئة بل جرى التلاعب بها وأن عمليات تزوير حصلت، إن كان من حليفه السكاف أو حتى ياسين، لافتاً إلى ما حصل داخل مراكز الفرز وإلغاء أكثر من 2200 صوت بهدف خفض الحاصل، ناهيك عن تعبير قاضية مسؤولة عن الفرز داخل القاعة عن فرحتها علناً بفوز ياسين.
تقصّد مراد عدم خوض معركة الآخرين على أكتافه فكانت النتيجة سقوط إيلي الفرزلي
كل هذه «القرائن» قفز عنها القرعاوي واقتنع بتقبّل النتيجة. وهو لا يبدو نادماً على إصراره على عدم التحالف مع حزب القوات اللبنانية التزاماً بقناعاته ووفاءً للرئيس سعد الحريري، ويشير إلى أنه لو قفز عن هذه القناعات «لكنت اليوم نائباً» بعدما أثبت حزب سمير جعجع قوّته الفاعلة في المنطقة.
القوات التي خاضت المعركة وحيدةً بعد انسحاب المرشحيين السنيين عن لائحة «بقاعنا أولاً» ما جعل وصولها إلى الحاصل مستحيلاً، اكتفت بشد عصبها لينال مرشحها داني خاطر وحده 4761 صوتاً، فيما أكدت الأرقام تراجع حضور التيار الوطني الحر الذي حصل مرشحه شربل مارون على 3576 صوتاً.
في المقابل، كان دفع الرشاوى الانتخابية في يوم الانتخابات «على عينك يا تاجر». صورٌ كثيرة يحتفظ بها المرشحون، بعضهم عن بعض، تثبت قيام مفاتيحهم الانتخابية بدفع الأموال وبعضهم داخل مراكز الاقتراع!