لا يزال الثنائي الشيعي و”التيّار الوطني الحرّ” يحتفظون بإسم مرشّحهم للرئاسة تحت غطاء “الورقة البيضاء” التي التزموا بها خلال جلسات انتخاب رئيس الجمهورية الخمس التي جرت حتى الآن. وقد نافست هذه الورقة المرشّح الجدّي الوحيد الذي أعلن ترشّحه وهو رئيس “حركة الإستقلال” النائب ميشال معوّض. وإذ كان يُنتظر تغيير هذه الاستراتيجية التي تحمل “رسالة بيضاء” الى الكتل الأخرى، على ما وصفها عضو تكتّل “لبنان القوي” النائب سيمون أبي رميا، لم يقم بهذه الخطوة في الجلسة الماضية سوى نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب الذي اقترع للوزير السابق زياد بارود.
ويبدو أنّ الفريق نفسه لا يُفكّر في استبدال خيار الورقة البيضاء بأي إسم في جلسة الإنتخاب السادسة اليوم الخميس، كونها تُبقي الأبواب مفتوحة أمام أي مرشّح يُرضي الجميع، شرط حصول التشاور بين مختلف الكتل النيابية على إسم معيّن.
مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ فريق 8 آذار وحليفه تكتّل “لبنان القوي” يريدون أن يتمّ انتخاب رئيس توافقي يحظى بدعم الغالبية النيابية، و”الورقة البيضاء” هي أحد الخيارات الموجودة حالياً ريثما يحصل التوافق، ولا يمكن اعتبارها أنّها تُعطّل انتخاب الرئيس إذ اعتُمدت غالباً في جلسات انتخاب سابقة. علماً بأنّه من الصحّي أكثر أن يتنافس مرشّحان جديّان أو أكثر على موقع الرئاسة، على أن يفوز من يتمّ اقتناع غالبية النوّاب به ويُصار الى تجيير الأصوات له.
وإذا كان التوافق قائماً حتى الآن بين حزب الله، و”حركة أمل”، و”التيّار الوطني الحرّ” على “الورقة البيضاء”، على ما أضافت المصادر، غير أنّ هذا التوافق لن يستمر مع بدء طرح أسماء المرشحين الجدّيين. فمن الواضح أنّ هذا الفريق غير متفق حتى الساعة، على إسم مرشّح واحد بعد، ولن يقتنع بالتصويت لأي من الأسماء المطروحة من دون حصول تسوية ما، أو إعطائه ضمانات لكلّ مكوّناتِه كما الى الكتل النيابية الأخرى… ففي حين أعلن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله أنّه يريد رئيساً مطمئناً للمقاومة، طارحاً معركة الرئاسة بشكل كامل من دون أن يتبنّى ترشيح رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية، أو يستبعد أي أحد لا سيما قائد الجيش جوزاف عون، تشير المعلومات الى أنّ رئيس “حركة أمل” نبيه برّي يودّ إيصال فرنجية الى الرئاسة. أمّا “التيّار الوطني الحرّ” فبات موقفه معلوماً من كثرة ما كرّره علناً، وهو أنّ لا رغبة لديه للإقتراع لفرنجية لأسباب عدّة ، منها أنّه يجده لا يمثّل غالبية المسيحيين، كما يُفترض، وأنّه لن ينتخب بالتالي إلّا شخصاً من ضمن خياراته وثوابته وقناعاته.
من هنا، شدّدت المصادر عينها على ضرورة توافق الثنائي الشيعي و”التيّار” أولاً على إسم مرشح واحد، ليُصار بعد ذلك للترويج له لدى الكتل الأخرى، غير أنّ هذا الأمر لم يحصل بعد. علماً بأنّه بات من الضروري الخوض في مرحلة طرح بعض الأسماء الجديّة، ليس بهدف إحراقها، على ما يخشى البعض، إنَّما لغربلتها ومعرفة موقف الكتل النيابية منها، إِلَّا أنّ ذلك لن تشهده جلسة إنتخاب الرئيس اليوم، لأن أصحاب الورقة البيضاء لا زالوا مقتنعين بعدم وضع أي إسم ما داموا غير قادرين على إيصاله الى سدّة الرئاسة.
وإذا كان معوّض هو مرشح مواجهة وتحدٍّ كما يطرح نفسه، على ما تابعت المصادر، فإنّ وصوله الى الرئاسة يبدو صعباً في الوقت الراهن، وإن كان مجموع عدد الأصوات التي تمكّن من تحصيلها حتى الآن قد قارب الخمسين صوتاً، إذ لا يُعقل أن يكون هو أو أي مرشح آخر مقتنعاً أنّه بإمكانه الفوز بهذا المنصب، وهو يطرح علناً أنّه على خلاف جذري مع حزب الله. فالظروف الحالية والأوضاع الإقتصادية والمالية والمعيشية السيئة في البلد لا تسمح بالإتيان برئيس خلافي، على العكس تماماً، فالمطلوب اليوم رئيساً توافقياً، لا يكون لديه أي مشكلة أو خلاف مع أي شريحة من اللبنانيين. وإذا كان لديه، عليه فتح صفحة جديدة مع خصمه السياسي قبل الترشّح للرئاسة.
وبرأي المصادر نفسها، أنّه في حال بقي الطريق مسدوداً أمام تأمين وصول أي مرشح جدّي الى الرئاسة من بين قادة الأحزاب المسيحية، إذ يأمل كلّ حزب بإيصال رئيسه الى قصر بعبدا من “التيّار” الى “القوّات” و”الكتاب” و”المردة”، فإنّ الخيار سوف يتجه نحو قائد الجيش العماد جوزاف عون، كون الجميع في لبنان يؤيّد الجيش ويدعمه، بما فيه حزب الله خلافاً لما يعتقد البعض. فالتعاون والتنسيق كانا ولا يزالان قائمٓين بين الجيش والمقاومة في الجنوب، كما عملا معاً على دحر الإرهاب في جرود عرسال في بداية عهد الرئيس العماد ميشال عون، ولا يستبعد حزب الله خيار إيصال قائد الجيش الى سدّة الرئاسة، في حال حصول الإجماع النيابي عليه.
ورأت المصادر بأنّ خيار انتخاب قائد الجيش غالباً ما يُطمئن الأطراف المتنازعة على السلطة، كونه من أكثر المرشحين الذي باستطاعته التعاطي مع الجميع بسواسية، وأن يكون على مسافة واحدة من جميع الأحزاب السياسية والكتل النيابية، لا سيما حزب الله. وقد أرسل الحزب رسالة مباشرة الى العماد جوزاف عون واستمهله أياماً للردّ، وثمة فريق عمل معه يتواصل مع الحزب ومع قوى أخرى من أجل جوجلة المواقف تجاه ترشّحه للرئاسة. علماً بأنّ حزب الله أعلن عن دعمه وتأييده لأي شخصية تحظى بتوافق داخلي، وأنّه مستعد للذهاب الى الإنتخابات بهذا المرشح الذي يضمن الوصول الى نتائج إيجابية حوله. ومتى قرّر الحزب و”أمل” و”التيار” المضي بهذا الإسم، فسيكونون على قناعة بأنّه يحظى بتأييد كتل نيابية أخرى له، لينال أصوات غالبية الثلثين أو الأغلبية المطلقة في مجلس النوّاب.
في المحصلة، أكّدت المصادر أنّ خيار الورقة البيضاء سيستمرّ اليوم، غير أنّه لن يدوم طويلاً خلال جلسات انتخاب الرئيس المقبل، لا سيما إذا ما حصل التوافق الداخلي والخارجي على إسم المرشح التوافقي، لأنّ أحداً ليس من مصلحته إطالة أمد الشغور الرئاسي أكثر.