تناولنا في الحلقات الثلاث السابقة، ماذا فعل مشروع ولاية الفقيه بالعراق ثم في سوريا ثم في اليمن… ولكن قبل أن ننتقل الى الحلقة الرابعة والأخيرة حول لبنان وفلسطين، لا بدّ من التذكير بتاريخ هذا المشروع الذي أطلق على نفسه اسم «مشروع ولاية الفقيه» الهادف الى تشييع العالم الإسلامي من أهل السنّة الذين يبلغ تعدادهم ملياراً وخمسماية مليون. وبالمناسبة، فإنّ عدد الشيعة في العالم لا يزيد عن 150 مليوناً فقط لا غير.
عندما عاد آية الله الخميني الى طهران، و «خلع» شاه إيران، كان أوّل قام عمل به هو:
أولاً: إلغاء السفارة الإسرائيلية واستبدالها بفتح أوّل سفارة فلسطينية في العالم.
ثانياً: تعيين اللواء قاسم سليماني من الحرس الثوري قائداً لـ «فيلق القدس».
ثالثاً: محاصرة السفارة الأميركية في طهران.
رابعاً: إطلاق شعارات عن أميركا أهمها: «الشيطان الأكبر»، وعن إسرائيل بأنها «الشيطان الأصغر».
وللتاريخ وبعد حصار دام 444 يوماً للسفارة الأميركية لم يفك الحصار إلاّ عندما وصل الى رئاسة أميركا رونالد ريغان الذي هدد في فترة الانتخابات بأنه: إذا وصل الى الرئاسة ووجد الحصار لا يزال قائماً على السفارة الأميركية في طهران فإنه سوف نزيل إيران من الوجود… وبالفعل هرب الحرس الثوري وفكوا الحصار عندما انتخب الرئيس رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة الاميركية.
وكما هو معلوم، فإنّ إسرائيل احتلت لبنان عام 1982، وحاصرت مدينة بيروت العاصمة مدّة 100 يوم… ويُقال إن عدد القنابل التي أسقطت على بيروت اثناء الحصار، وصل الى أكثر مما سقط على ألمانيا، وتحديداً برلين، في الحرب العالمية الثانية.
عندما احتلت إسرائيل لبنان كان من الطبيعي أن تنشأ مقاومة ترفض احتلال العدو الإسرائيلي.. هنا دخلت إيران عن طريق دعم «الحزب» الذي أسّسوه عام 1983 وسمّي بـ «حزب الله»… وكان الشهيد السيّد حسن نصرالله يفاخر بأنّ أمواله والأكل والشرب والأدوية والرواتب والسلاح والصواريخ، كلها من «ولاية الفقيه»، أي من الجمهورية الإسلامية في إيران.
على كل حال، استطاع حزب الله أن يحرّر لبنان عام 2000، واضطرت إسرائيل أن تعلن انسحابها من لبنان رسمياً من دون قيد أو شرط… وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
هنا، لم يكتفِ «الحزب» بهذا الانتصار، بل ظلّ مشروعه قائماً حتى إنه ارتكب الغلطة المميتة الاولى عام 2006 يوم خطف جنديين إسرائيليين، فنشبت حرب بين إسرائيل ولبنان. يومذاك اعتبره السيّد نصرالله أنه «نصر إلهي».. ولكن الحقيقة كما يقول نواب من «الحزب»، جاؤوا الى الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة في ذلك الوقت، يرجونه وقف إطلاق النار.. وقالوا إنه لو بقيت الحرب يومين لانتهى «الحزب».
ولكن الرئيس السنيورة استطاع أن يقنع الأميركيين، فتوقفت الحرب.
لم يكتفِ «الحزب» بحرب 2006 بل قام باغتيال شهيد لبنان الرئيس رفيق الحريري الذي أعاد إعمار لبنان بعد الحروب التي دمرته… وقام «الحزب» مع ما يسمّى «القمصان السود» باحتلال بيروت، وهذه هي الغلطة الثالثة التي ارتكبها «الحزب».
وفي حرب «طوفان الأقصى» التي قامت بها «حماس» بتاريخ 7 أكتوبر 2023، دخل «الحزب» مسانداً لأهل غزة في اليوم التالي. وهنا أقدّر وأفهم قرار «الحزب».. وبعد مضي شهر جاء الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي عرض على لبنان اتفاقاً برّياً، كما فعل بالاتفاق البحري، وقال إنّ إسرائيل مستعدة للتنازل عن 13 نقطة خلافية مع لبنان، ولكن «الحزب» رفض 8 مرّات خلال سنة هذا العرض من الموفد الأميركي هوكشتاين الى لبنان.
فأين كنا خلال هذه السنة: وأين وصلنا؟
أولاً: لأول مرة في تاريخ الحروب بين لبنان والعدو الإسرائيلي تقوم الأخيرة بتدمير معظم قرى الشريط الحدودي تدميراً كاملاً متبعة حرب إبادة موصوفة.
ثانياً: قصف مدينة صور ومدينة النبطية وتدمير المدينتين تدميراً شبه كامل… مع جميع القرى المحيطة بهما.
ثالثاً: تدمير بعلبك والهرمل وشمسطار وطاريا ورياق وعدد كبير من القرى المجاورة.
رابعاً: تدمير البقاع الغربي تدميراً نهائياً… ويمكن القول إنك بحاجة الى إعادة إعمار المناطق والمدن والقرى التي دمرها العدو الإسرائيلي بنسبة 75%.
خامساً: تهجير مليون ونصف المليون مواطن شيعي ومعظمهم يعيشون اليوم في ظروف صعبة جداً.
سادساً: عملية «البيجر» والقضاء على 2000 عنصر من خيرة مقاتلي «الحزب» وجرح 1500 تحوّلوا الى معوقين فاقدي النظر أو الأعضاء.
سابعاً: القضاء على القائد التاريخي شهيد فلسطين، السيّد حسن نصرالله ومعظم قادة الصف الأول.
أكتفي بهذا القدر من خيبة الأمل لأقول إنّ الفرص التي أضعناها لا يمكن أن تعوّض والله يستر.
كما أصبح واضحاً أن الحرب مع إسرائيل لا يمكن أن تكون بيد مقاومة ودولة. وهذا يعني أنه طالما لا يوجد لدى المقاومة سلاح طيران، فلن تستطيع المقاومة أن تحمي نفسها.
ولن أتكلم كثيراً عن موضوع فلسطين، بل أكتفي بالقول: إنّ دخول إيران لدعم حركة حماس، لم يكن من أجل دعم الفلسطينيين، بل في الحقيقة جاء لمصلحة إسرائيل التي لا تريد إقامة دولة فلسطينية، ربما إن حركة حماس حاولت منذ عودة الرئيس ياسر عرفات الى الضفة والقطاع، توحيد البندقية الفلسطينية، فلعبت إيران دوراً سلبياً ضد الوحدة ما أدى الى تعثّر إقامة الدولة الفلسطينية.