الفساد المتراكم والمتعاظم على مدى عقود، لا يمكن اصلاحه حتى على مدى عهود. والمهم هو تحديد نقطة البداية في الاصلاح. وظلّت هذه النقطة ضائعة في تاريخ لبنان الاستقلالي، وعثر اللبنانيون عليها مرة في عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي لا تزال ذكراه حيّة في النفوس، لأن الارادة السياسية توفّرت لديه لبناء الدولة الحديثة في ظلّ حكم الدستور والقانون والرقابة والتشريع المتطور الذي يصون البلاد من الفساد والفاسدين… غير أن نقطة البداية هذه ضاعت بعد نهاية عهد شهاب، وثبت أن جذور الفساد في لبنان لا تزال صعبة على الاقتلاع من الجذور.
***
عهد الرئيس العماد ميشال عون أطلق آمالا شعبية واسعة النطاق حول بزوغ الاصلاح من جديد، غير أن نقطة البداية لا تزال غير واضحة. والانجازات القليلة ولكن العميقة التي حدثت حتى الآن هي مؤشرات واعدة على طريق الاصلاح، ولكنها لا تشكّل الانطلاقة المأمولة. اقرار قانون انتخاب على أساس النسبية هو نقلة نوعية، وان تكن غير مكتملة لما تخلل هذا القانون من ثغرات أساءت الى طبيعته الاصلاحية. وثمار القانون الانتخابي الجديد لن تتضح إلاّ بعد ظهور نتائج تلك الانتخابات التي لا شك في اجرائها في أيار / مايو من العام الجديد ٢٠١٨.
***
إقرار الميزانية العامة بعد سنوات من الفلتان والتسيّب، هو كذلك خطوة مفصلية في الاتجاه الصحيح، وذلك ليس بدليل ما حدث في ميزانية العام ٢٠١٧، وانما بأمل ما سيحدث في ميزانية العام ٢٠١٨ والتعديلات الاصلاحية التي ستطرأ عليها لدى مناقشتها في الأيام أو الأسابيع المقبلة. وهذه الخطى التي تتقدم باقدام مترددة سببها كل هذا التراكم المتعاظم المعشش في مفاصل الدولة والمجتمع السياسي اللبناني، وكل الدلائل تشير الى انه لا يزال يمتلك القوة لعرقلة أو تعطيل أية حركة اصلاحية حتى الآن. ولن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود إلاّ بعد ظهور نتائج وحصيلة قانون النسبية، وهل سيكون الأداة الرافعة نحو الاصلاح في هذا العهد…