شكّل اجتماع لجنة الإشراف العليا على برنامج المساعدات الأميركية والبريطانية لحماية الحدود البرية الذي ترأسه قائد الجيش العماد جان قهوجي، أمس، إشارة واضحة الى الالتزام الدولي ببرامج دعم الجيش. وإن كانت الحدود قد أعطيَت الأولوية في المرحلة الراهنة، فلأنّ ما هو منتظر في الأزمة السورية من تطورات عسكرية قد يُلقي بتردّداته السلبية عليها. فلماذا وكيف؟
قد يكون من النادر أن تُعلن المؤسسة العسكرية عن عدد من اللقاءات العسكرية والأمنية التي تعقد في اليرزة، وخصوصاً تلك التي تتصل بزيارات القادة العسكريين الأجانب الكبار التي تكرّرت في الفترة الأخيرة قياساً على حجم المخاوف والهواجس الناجمة عن الحراك العسكري الذي تشهده الساحة السورية والذي تغلّب بأشواط كبيرة على كل المساعي السياسية والديبلوماسية التي تراجعت الى الحدود الدنيا وما يمكن أن تعكسه على الساحة اللبنانية التي تزنّرها النيران السورية من جانبي الحدود الشرقية والشمالية.
وعليه، يقول العارفون الذين شاركوا في وضع البرامج والخطط العسكرية التي هَدفت الى تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، إنّ الإعلان عن الاجتماع الذي ترأسه قائد الجيش العماد جان قهوجي أمس لِما يسمّى «لجنة الإشراف العليا على برنامج المساعدات الأميركية والبريطانية لحماية الحدود البرية» ليس أمراً جديداً، فمثل هذه اللقاءات تعقد من وقت لآخر في حضور ديبلوماسي وعسكري رفيع المستوى تَجلّى أمس في حضور كل من القائم بالأعمال الاميركي السفير ريتشارد جونز والسفير البريطاني هيوغو شورتر إلى جانب أعضاء فريق العمل المشترك اللبناني والأميركي والبريطاني.
ويضيف العارفون أنه ومنذ وضعت «الخطة الخمسية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني» في أيار 2013، وضعت لها الآليات العسكرية والإدارية والأمنية واللوجستية والبشرية وفق برنامج دقيق للغاية لمُحاكاة حجم الأخطار التي تواجه لبنان جرّاء التطورات العسكرية الخطيرة التي بلغتها الأزمة السورية وتهديدها المباشر لأمن لبنان.
ولم يقتصر الأمر على ما تسبّب به حجم النزوح السوري الى أراضيه، بل زادت مخاطره من نموّ وتوسع المجموعات المسلحة التي اقتربت من الحدود اللبنانية وهدّدتها جرّاء الخروقات والإعتداءات التي استهدفت الأراضي اللبنانية.
كان ذلك قائماً قبل أن يكون لبنان من مجموعة الدول التي شاركت في مؤتمر جدة الذي أنتجَ الحلف الدولي من 40 دولة في مواجهة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
وهو ما رفعَ من أهمية الخطط التي وضعَت سابقاً لتتناسَب وحَجم المسؤوليات التي ألقيَت على الجانب اللبناني في معزل عن تدخّل اللبنانيين في الأزمة السورية بكلّ أشكاله المباشرة وغير المباشرة، وقبل أن يتطوّر دور «حزب الله» في الداخل السوري وعدم القدرة على لَجمه، وهو ما ألقى أعباء كبيرة على الأمن الداخلي في لبنان ووَضع المؤسسات العسكرية والأمنية أمام استحقاقات كبيرة لا بدّ من مواجهتها والقيام بها حفاظاً على وحدة الأرض والمؤسسات.
والى هذه الأسباب التي دفعت المجتمع الدولي للوقوف الى جانب لبنان في مواجهة الإرهابيين وحفاظاً على أراضيه وسلامة أبنائه، باتَ البرنامج المرحلي لتعزيز قدرات الجيش في صُلب الاهتمامات الدولية.
فسقوط لبنان في التجرية المحيطة به أمر ممنوع، ولا بدّ من اتخاذ كل الإجراءات التي تَحميه، وهو قرار إقليمي ودولي كبير جنّدت له الديبلوماسية الغربية والعربية قدراتها لتحييده عن مجرى الدم السوري ومَنع الامتدادات الخطيرة للأزمة السورية على الداخل اللبناني.
وبناء على ما تقدّم، زادت المخاوف المتوافرة في الأسابيع القليلة الماضية عن حجم ما هو متوقّع من تصعيد عسكري سوري، من مستوى الإهتمامات الدولية بالملف. ويعود ذلك الى سلسلة تقارير إستخبارية جمَعتها أجهزة الإستخبارات البريطانية المتقدمة على زميلاتها من الدول من أطراف الحلف الدولي، رفعت من نسبة الإستنفار الدولي لدعم لبنان في مواجهة المخاطر الحدودية.
وفي التقارير حديث عن استعدادات بدأها مختلف الأطراف في سوريا، ولا سيما المجموعات الإرهابية والمنظمات المُنضوية تحت لوائها التي بدأت استعداداتها لعملية عسكرية واسعة النطاق تستنفد فيها قوتها العسكرية التي تنامَت في الفترة الأخيرة في مواجهة الحشد الذي بدأته المجموعات المسلحة التي تدعم النظام السوري، ولا سيما تلك التي تديرها ايران ويقودها «حزب الله» تحت غطاء القوة الروسية الجوية التي عادت الى شنّ عمليات مكثفة كانت قد تراجعت عنها أخيراً.
وفي التقارير الحديثة أنّ مخاطر تجدّد العنف بلغت الذروة في موازاة الفشل الذي أصابته المهمة الديبلوماسية التي قادها الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا في إعادة مختلف الأطراف الى طاولة جنيف.
ولذلك، فهي ترى أنّ الأمور تتجه في الفترة القليلة المقبلة الى مزيد من التصعيد الذي ربما لم تعرفه سوريا سابقاً. وهو أمر دفع بالمجتمع الدولي الى التعبير عن قرار لا نقاش فيه في شأن حماية لبنان وحدوده كما أمنه الداخلي.
ولا بدّ من التعبير عن هذه الخطوات بما يمكن ترجمته دعماً عسكرياً وأمنياً واستخبارياً غير مسبوق، ترجَمته الوفود العسكرية الأميركية والبريطانية والأوروبية، وجاء اجتماع الأمس على مستوى تقويم التطورات وتحديد الخطوات المقبلة لدعم قدرات المؤسسة العسكرية لترجمته ديبلوماسياً.