IMLebanon

رياح الديموقراطية تهبّ من تونس

من تونس، بدأ «الربيع العربي»، ومن تونس الخضراء، أزهر الربيع العربي، الزهرة الأولى في صناديق الاقتراع. مهما بدت «زهرة» الديموقراطية في تونس متواضعة، فإنها في توقيتها تبدو عظيمة تتجاوز كل التقديرات وحتى الأحلام، بعد أن اعمل «ساطور» الأصولية الاسلامية سواء كان اسمها «داعش» أو «النصرة» أو «الدولة الاسلامية» نحراً وقتلاً وتقطيعاً في «جسد الربيع العربي»، فحوّل الربيع الى شتاء خارج من الجحيم.

عود ثقاب محمد بوعزيزي، أشعل «ربيع» تونس، ثم انتقلت الشرارة الى ليبيا وسوريا ومصر. لم يتوقع أحد أن يشعل بوعزيزي النار في النظام العربي الراسخ. ولا أن ينجح الشباب في اسقاط جدار الخوف، ولا أن يصبح صندوق الاقتراع، «بساط الريح» الذي يحلم به الجميع نحو الديموقراطية. رغم كل ما حصل، سواء في سرقة الثورة أو في إغراقها بالمذهبية والحرب الأهلية، فإن باب الأمل بقي مفتوحاً وها هي تونس تعبره بقوة.

نتائج الانتخابات غير الرسمية، أكدت فوز «نداء تونس» بأغلبية مريحة لكنها غير مطلقة. كذلك «حزب النهضة» الاسلامي خسر الأغلبية لكن لم تكسر يده. أثبت التونسيون في نتائج الانتخابات أن إلغاء أي طرف لطرف آخر ممنوع ومستحيل. لذلك يسود الآن شعار حكومة الوفاق الوطني.

هزيمة «النهضة» بزعامة الغنوشي تاريخية، خصوصاً في هذا التوقيت الدقيق والحساس. يجب للأمانة التسجيل للغنوشي، أنه فهم باكراً شروط الحياة السياسية الجديدة في تونس، وضرورة العمل لإبعاد «ساطور» التطرف عن بلاده. الأعمى يمكنه أن يرى من تونس ما يجري في ليبيا. التطرف الأصولي دمر ليبيا. أيضاً أن التوانسة عاشوا مباشرة كيف أنتجت «شراهة» «الاخوان المسلمين» للسلطة في مصر قيام ثورة 30 يونيو، ومن ثم هذا الارهاب القاتل والمدمر والأسود. للأمانة أيضاً، الغنوشي نصح كثيراً «اخوانه» في مصر بالاعتدال وضرورة ترك المجال للآخرين مشاركتهم في السلطة. لم يسمعوه فخسروا كل شيء.

توقيت هذا التحول في تونس، سيشكل حكماً قوة دفع عظيمة للمجتمع المدني في مصر للنهوض وللفوز في الانتخابات التشريعية القادمة في مصر، أيضاً لا بد لهذه النتيجة من اسقاط الحدود مع الجزائر، لإقامة نظام مدني وديموقراطي في دولة لا يعرف أحد أين وماذا يريد الرئيس بوتفليقة وماذا يريد رؤوس جهاز الأمن «الحامي» والجنرالات الذين توارثوا السلطة من «حزب فرنسا» المشكل من الكولونيلات الذين جاؤوا من الحكم الكولونيالي الفرنسي. 

إذا نجح المجتمع المدني ونواته الحزبية في مصر بإسقاط وهم القوة لدى «الاخوان المسلمين»، فإن تحولاً عظيماً يكون قد حصل. مثل هذا الزحف يشكل الولادة الثانية للربيع العربي الذي اعتقد الجميع أنه ولد ميتاً، أو وُئد حيًّا.

يجب أيضاً الاعتراف بجرأة بواقعة تعيد الى التاريخ حقه. تونس صمدت وتطورت وثارت، لأن الرئيس الحبيب بورقيبة وضع حجر الأساس للمجتمع المدني. لقد عانى بورقيبة كثيراً من الظلم لأنه لم ينجح في اقناع العرب الآخرين بأهمية بناء مجتمع مدني راسخ. الآن يجب الانطلاق من مزيج يضم تجربة بورقيبة وثورة تونس وهذه الانتخابات لبناء «حصن» للمجتمع المدني في تونس. وللاقتداء به عربيًّا.

أخيراً نقطة حساسة مهمة، أن «نداء تونس» الذي فاز بالانتخابات التشريعية مكون من تحالف واسع من رجالات من نظام بن علي والنقابات (الطيب البكوش الأمين العام لنداء تونس نقابي قيادي قديم، وقوى يسارية ومدنية. لا شك أن بن علي ضَمِنَ امن تونس في فترة عصيبة من الحرب العشرية في الجزائر. لكن مشكلته أنه غرق في الأمن الى درجة تحويل تونس الى جزيرة أمنية، ثم ترك فساد عائلته وخصوصاً زوجته ينخر تونس كلها. المهم ألا يعتقد بن علي أنه علي عبدالله صالح اليمني، فيعمل على العودة ولو على خراب تونس كما يحصل اليوم في اليمن.

أمام التوانسة رحلة شاقة وطويلة نحو اكتمال الديموقراطية وترسيخ المجتمع المدني، لكنها رحلة ومسار مضيء لكل العرب الطامحين لإحياء «الربيع العربي» وترجمته في أنظمة ديموقراطية، صناديق الاقتراع شرطاً لتداول السلطة.