من التقارب الأميركي – الروسي خلال قمّة العشرين في هامبورغ، إلى طيّ صفحة «داعش» في الموصل، وإعلان المعركة الأخيرة في الرقة، وما يجري في المطابخ الدولية من ترتيبات لتفكيك دول الشرق الأوسط، وإعادة تركيب «شرق أوسط جديد»، هي بعض عناوين المرحلة الساخنة المقبلة على المنطقة، وصولاً إلى السواحل الخليجية شرقاً، والتي لن يستطيع لبنان أن يكون بعيداً عن تداعياتها السياسية والاقتصادية المدمرة!
ورغم اقتراب ملامح الأخطار المحدقة بالإقليم، وارتداداتها على الوضع اللبناني، ما زالت الطبقة السياسية تتصرّف وكأن الدنيا بألف خير! وكأن البلد محصن بالحصن الحصين سياسياً ووطنياً، بل وكأن الاقتصاد اللبناني، الذي يئن تحت عجز مزمن ومتزايد، قادر على مواجهة مضاعفات الزلزال السياسي والأمني المقبل على المنطقة!
«جدل بيزنطي»، كما وصفه الرئيس ميشال عون، بل هو أسخف أنواع السجالات، التي تدور في طواحين الخواء السياسي، والخلافات الدائمة والتي تبقى أضعف من التوصّل إلى نقاط توافق، أو حتى أبسط صيغ التسويات المتوازنة!
معظم الملفات الحيوية المطروحة على طاولة مجلس الوزراء، تحوّلت إلى محاور خلافية، تؤدي إما إلى تعطيلها بالكامل، أو على الأقل تأخير تنفيذها، والتباطؤ المقيت في إقرارها!
من ملف الكهرباء، الذي خسر أصحابه رهان الصيف وإمكانية تمرير الصفقة بكبسة زر، إلى قضية النفايات المرشحة للانفجار في أية لحظة، بعد تعثر تنفيذ الحلول المؤقتة، والخلاف على الحصص في صفقات المحارق ومعامل الفرز، ومناطق الطمر، إلى معركة سلسلة الرتب والرواتب، التي تحوّلت إلى ما يشبه «أم المعارك» بالنسبة للحكومات المتعاقبة، من دون التمكن من حسمها ولو جزئياً وعلى مراحل، وأخيراً لا آخراً، ملف عودة النازحين السوريين، الذي أعاد الانقسامات الآذارية المعطلة إلى الجلسات الحكومية، وجدّد التخبط اللبناني الرسمي في التعاطي مع مسألة النازحين السوريين، التي تعتبر من أخطر التحديات التي تواجه لبنان في هذه المرحلة!
* * *
لا تستطيع الدولة اللبنانية أن تستسلم لنشوة المهرجانات الفولكلورية الصيفية، التي تعمّ معظم المناطق، وتعمد في الوقت نفسه إلى دفن رأسها في الرمال المتحركة، والناشطة لإحداث تغييرات جيوسياسية، وديموغرافية، تنهي صفقة «سايكس – بيكو»، بعد مئة عام على توقيعها، وتعيد رسم خرائط المنطقة من جديد.
وفي هذا السياق بالذات، الزيارة المرتقبة للرئيس سعد الحريري إلى واشنطن، ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكبار مساعديه، تنطوي على أهمية مضاعفة، سواء بالنسبة لمواكبة لبنان لرياح المنطقة الساخنة من جهة، أو لجهة تعزيز العلاقات الثنائية بين بيروت وواشنطن، إثر تصاعد لهجة العقوبات الاقتصادية الأميركية الجديدة ضد حزب الله ومؤسسات المتعاملين معه.
ورغم استبعاد تكرار السيناريو اللئيم الذي واكب زيارة الحريري إلى واشنطن أواخر عام 2010 للقاء الرئيس باراك أوباما، حيث سحب محور 8 آذار وزراءه، ووزراء التيار العوني، مما أدى إلى استقالة الحكومة، قبيل دخول رئيسها إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، نقول رغم استبعاد مثل تلك الخطوة حالياً، إلا أن الرئيس الحريري يحتاج إلى التسلح بموقف لبناني موحّد من الملفات الساخنة المطروحة في المنطقة، حتى يستطيع تجنيب البلد تجرّع الكأس المرّة، نتيجة الترتيبات الجذرية العتيدة في المنطقة.
التوصّل إلى موقف لبناني موحّد، يقتضي إقفال أبواب السجالات والمزايدات، والتركيز على نقاط التوافق والتفاهمات الممكنة حولها، والعمل على سدّ النوافذ التي تتسلل منها الرياح الخارجية للعبث بالوفاق اللبناني، واستغلال التناقضات السياسية، واللعب على الأوتار الطائفية والمذهبية.
أولوية نتائج «اجتماع بعبدا التشاوري»، يجب أن تركز على كل ما من شأنه حماية الوطن الصغير من تداعيات رياح التغيير، وإطلاق ورشة العمل الداخلي، إنمائياً واقتصادياً، لتوفير متطلبات الصمود الوطني أمام العواصف العاتية.
فهل يتحمّل العهد، ومعه الأطراف السياسية المعنية، مسؤولية تأمين أسباب صمود لبنان أمام رياح التغيير، ووضع حدّ للجدالات البيزنطية الفارغة؟