يوماً بعد آخر تزداد العلاقات الروسية الاميركية توتراً، إلى حدّ لا يمكن وصفها سوى ببداية جولة جديدة من الحرب الباردة، على رغم نَفي الطرفين العودة الى تلك المرحلة التي وَضعَت العالم على شفير الهاوية غير مرة.
وعلى الرغم أيضاً من أنّ رياح الحرب الباردة باتت على الأبواب، فإنّ القطبين الدوليين يحاولان تجميل مواقفهما لتخفيف الاحتقان السياسي الحاصِل على الساحة الدولية، علماً بأنّ حرب العقوبات المتبادلة بينهما تستهدف بشكل مباشر استنزاف الموارد الاقتصادية والبشرية والعلمية.
ومع انّ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ «بلاده لا تسعى لمعاقبة الغرب بعقوبات مماثلة»، الّا انّ الرجل اكّد غير مرة انّ الرد سيكون بما يتوافق مع مصالح بلاده، ما يُعيد الى الأذهان مشاهد حرب العقوبات السابقة إبّان المرحلة السوفياتية.
ناهيك عن العودة الى سباق التسلّح الذي بدأه الطرفان بعيداً عن الإعلام، فالولايات المتحدة الأميركية تحاول تكرار سيناريو الرئيس الأميركي الأسبَق رونالد ريغان الذي تمكّن من فَرض سباق التسلّح على الاتحاد السوفياتي من خلال خطته المعروفة بـ»المبادرة الاستراتيجية الدفاعية» مطلع ثمانينات القرن الماضي، الأمر الذي أدّى في المحصّلة الى انهيار غالبية القطاعات الاقتصادية الكبرى في البلاد، ومن ثمّ انهيار الدولة السوفياتية.
من جهة أخرى فإنّ مصادر عسكرية روسية تؤكد انّ موسكو بدأت بتطوير قواتها النووية الاستراتيجية وقوات الدفاع البرية والبحرية والجوية ردّاً على خطة مَنظومة «الضربة الخاطفة» التي وضعتها واشنطن على نار حامية منذ عدة أشهر.
وإن كانت المصادر ترى انّ اقتراب الناتو الى حدودها يأتي في سياق «الضغط النفسي»، ولدَفعها الى زيادة إنفاقها في سبيل امتلاك أسلحة جديدة على حساب مشاريع اجتماعية وعلمية هي بأمَسّ الحاجة اليها في ظلّ العقوبات الغربية، فإنّ وزارة الدفاع الروسية تستمر في تجاربها وتدريباتها على مجموعة من المنظومات العسكرية الحديثة، ومنها منظومة صواريخ «باستيون»، وطائرات حربية جديدة، وآخرها تلك الاختبارات التي قامت بها قوات حرس السواحل في أسطول البحر الأسود الروسي وتخللتها رمايات بالذخيرة الحيّة على أهداف بَحرية في المياه الإقليمية لشِبه جزيرة القرم، وذلك بالتزامن مع تدريبات حلف الناتو التي جَرت في حوض البحر الاسود.
أمّا على المستوى السياسي فإنّ موسكو تبدو جادّة في توسيع رقعة حلفائها في منظمة شنغهاي للتعاون، فمصادر الخارجية الروسية تؤكد انّ انضمام باكستان والهند النوويتين وايران باتَ وشيكاً الى المنظمة المذكورة، التي تضمّ الى جانب روسيا الصين وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان، ما يعني نحو 25 في المئة من سكان العالم. وفي حال انضمام الهند وباكستان وايران وبلدان أخرى، تجري مباحثات خلف الكواليس لانضمامها الى المنظمة، فإنّ الحديث سيدور حينها عن نحو نصف سكان المعمورة.
الحراك الروسي يأتي ردّاً على نجاح الولايات المتحدة الأميركية بجَرّ أوروبا الى مواجهة مع روسيا بعد أن تمكّنت من وضعها تحت جناحيها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على خلفية الأزمة الاوكرانية.
إذاً، يستمر الغرب في فَرض العزلة على روسيا بهدف إضعافها ومصادرة دورها على المستوى الدولي، لكنّ روسيا الآن ليست الاتحاد السوفياتي سابقاً، فقد باتت من أكبر مُصدّري الغاز في العالم، وهي في المرتبة الثالثة على لائحة الدول المُنتجة للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، ما يعني انه في حال استمرار سياسة العقوبات والتضييق على روسيا فإنّ نظام المعسكرات سيعود الى واجهة الاحداث الدولية، وحينها ستُدرك القارّة العجوز أن لا غطاء يُدفئها في شتائها القارس سوى فَرو الدب الروسي.