يُفترض عدم إعتبار الخطوة التي أعلن عنها سماحة السيّد حسن نصراللّه في كلمته الأخيرة، يوم الخميس الماضي، أنها منفصلة عن المسار العام الذي بلغته المساعي الدولية من أجل إيجاد حلّ ينهي ما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ «المذابح المروّعة».
صحيح أن قرار السيّد بتفكيك المنشآت العسكرية لحزب اللّه من الحدود الشرقية إقتصر على الجانب اللبناني، بمعنى أنّ قوات الحزب باقية في سوريا… ولكن هذا الإنسحاب مؤشّر كبير على أن البلد الشقيق المجاور ماض الى حلول قد لا تكون بعيدة. وربّـما أسهمت زيارة الرئيس ترامب الى المملكة في تقريب الحلول التي رُسمت تفاصيلها في لقاء واشنطن بين الرئيس الأميركي ووزير الخارجية الروسي لاڤروڤ.
ولكن كيف سيكون الحل؟
وعلى أي قاعدة؟
وهل تبقى سوريا هي إياها؟
الجواب لا يقتضي قراءة في الغيب ولا ضرب الرمل ليكون الآتي: لقد علّمنا التاريخ أنّ الكبار يصنعون الحروب والصغار يدفعون أثمانها. وفي هذا المعيار سوريا بلد صغير. ونحن في لبنان، كبلد هو أيضاً صغير، لم يعد بلدنا، بعد الحرب، هو ذاته… بل حدثت فيه تغييرات جذرية إنتهت بفقدان الدور، وفقدان الكثير من الميزات وعناصر الفرادة التي كان يتمتع ويباهي بها.
وسوريا معرّضة لتغيير كبير من دون أدنى شك، وكائناً من يكون في النظام، وكائناً ما تكون طبيعة النظام، فإنّ «زمن الأوّل تحوّل». والدور السوري الإقليمي قد ذهب الى غير رجعة. ولكن المهم ألاّ «تذهب» سوريا… وهذا الهم بات مقيماً بعدما تمادى كبار المخططين في واشنطن وموسكو في التركيز على التقسيم حيناً والفيدرالية حيناً آخر. و«الحدود» (داخل سوريا) أحيانا عديدة.
منذ وزير خارجية أميركا السابق جون كيري والموضوع المقلق مطروح… فهو أول من إستخدم «تفكيك سوريا». نظيره الروسي لاڤروڤ ابدى «خشية» من تقسيم سوريا…
وفيما يرى البعض أن تصريحات القطبين العالميين لا تضمر ما تقول، يذهب آخرون الى القول: إنها محاولة لـ«ترهيب» الأطراف المتقاتلة لدفعها الى تنازلات… بينما يذهب سواهم الى القول إن مسألة التقسيم في سوريا تحديداً والمنطقة عموماً هي مسألة مزمنة تعود الى نحو قرن من الزمن… وما جرى ويجري فيها هذه الأيام من صراع دموي حاد هو الباب الذي سيقود الى تنفيذ التقسيم.
ولعلّ أكثر كلام عن تقسيم سوريا يؤخذ في عين الإعتبار هو قول مدير وكالة الإستخبارات الأميركية في حينه جون برينان انه «يرجح» تقسيم سوريا… واعتبر هذا الكلام أشد خطورة وأبعد مدى ممّا قاله المسؤولون السياسيون الكبار في واشنطن وموسكو…
يبقى أنّ الأشهر الماضية حفلت بكلام كثير وبخرائط عديدة ليس عن تقسيم سوريا وحسب، بل عن تقسيم بلدان عديدة في المنطقة…
ومهما آلت إليه الأوضاع في سوريا، مع يقيننا الشخصي بصعوبة التقسيم (وليس إستحالته) فإننا نميل الى ربط إنسحاب حزب اللّه من الحدود الشرقية ببداية نضوج الحلول.