قد تكون ريّا الحسن أفضل ممَّن سيخلفها على رأس وزارة الداخلية. لكن وضع النقاط على حروف العنف الذي مارسته قوى الأمن ضدّ المتظاهرين والصحافيين والمصوّرين أمام ثكنة الحلو يصلح وداعاً للوزيرة المغادرة وتحذيراً للوزير العتيد في معرض الترحيب.
لنتفق مع معاليكما وبلا مزايدات على أن لا أحد مع الفوضى أو الاعتداء على العسكريين. ليست المسألةُ مبارزةً بين المتظاهرين والأمنيين. ومع تقديرنا للاعتذار من الصحافة فإن مشهد الضرب الوحشي لا ينفع معه التبرير الواهي بأنّ رجال قوى الأمن “أصحاب مشاعر أيضاً ويتعبون”.
باستثناء قلّة قليلة، يعي اللبنانيون والثوار المصلحة الوطنية أكثر بكثير من السلطة الفاسدة. هؤلاء ثاروا أصلاً لإحقاق دولة القانون ووقف استباحة الأموال العامة والخاصة والتواطؤ بين الحاكمين واللصوص. لذلك يتحمّل مسؤولية الاحتجاجات – المتزامنة مع تجاوزاتٍ يستغلها مندسون- الخارجون الحقيقيون عن القانون الذين دفعوا الناس الى اليأس، فالشارع، فالصراخ، فقطع الطرقات وأخيراً تكسير واجهات المصارف.
يُفترض بأنّ التدريب الذي تلقاه الأمنيون والضباط أثمر سلوكاً يتناسب مع الأصول. بيد أننا شهدنا، للأسف، إعتداءاتٍ فجّة على متظاهرين عزّل، وسحلاً مع تكسير للأطراف وإمعاناً في التسبّب بإرتجاجات في الدماغ وتحطيماً للكاميرات لم تجدِ معه صرخات: نحن الصحافة وعين الجميع.
إما هناك كذب فاضح أو أنّ هناك “دولة داخل الدولة” في كل جهاز أمني، وإلا كيف تستنكر القيادات الأمنية هذه الأفعال فيما تستمر الممارسات سواء في جونيه والزوق أم أمام ثكنة الحلو؟
لنترك نقيب المحامين يتحدّث عن مكان الاحتجاز ونوعية الاستجواب وكيف يُسأل المعتقل عن مدى مساهمته في ثورة الشعب اللبناني ووتيرة مشاركته ويُصادر هاتفه الشخصي. فليدرك أيّ مسؤول أمنيّ أن تكسير الكاميرات محاولةٌ آثمة لاغتيال الشاهد المُحايد، ولا يقترفها إلا معتدٍ حاقد غير آبه بقانون، إما لتنفيذه أوامر من يشبهه أو لتجاوزه التراتبيّة بدعمٍ استثنائي.
معالي الوزيرة، تغادرين وزارتك ولعلّك بذلك تلقين عنكِ عبئاً ثقيلاً. لِخلفك نقول: “خذْ العبرة ممّا حصل لتصويب الممارسة. افتح صفحة جديدة، فحكومتكم “المضروبة” في تكوينها تحتاج الكثير إن شاءت التصالح مع المنتفضين. وفي مقدّم أولوياتك التنبّه إلى انّ القمع لا يخيف شعباً قرّر الانتفاض ضد منظومة فساد انكشفت أمام كلّ اللبنانيين.