بشهادته أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كتب النائب مروان حمادة الصفحات الأوائل في تاريخ لبنان المعاصر، وعلى أمل ان يكمل ما بدأه حتى الآن في جلسات الاستماع اللاحقة.
انه الشاهد الملك بحق، قال الكثير من الأمور التي يعرفها معاصرو الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكشف عن الأكثر من الوقائع المخفيّة أو المنسيّة عن معاناته مع زمن الوصاية.
شهادات السياسيين ورجال الاعلام وكل من كان على تماس مباشر مع الرئيس الشهيد، لم تكن منتظرة بهذا الوضع والجرأة والتماسك والذهن الوقّاد، على الأقل بالنسبة الى عامة الناس، فاذا هي مرشحة لتغدو الأساس في تصويب قناعة المحكمة حول الدوافع والخلفيات ومجمل المعطيات والملابسات التي مهّدت وقدّمت ورسمت الأدوار التنفيذية للجريمة.
كثيرون ممن تابعوا جلسات شهادة الشهيد الحيّ، انتابهم القلق من شهادته عليه، وهو أيضا، عندما ودّع جلسة الأمس، تعهّد بالعودة في الجلسات التالية للاجابة على أسئلة من تبقّى من وكلاء الادعاء، وبالتالي الدفاع، متوجهاً الى رئيس المحكمة بما معناه، اذا بقينا سالمين. هنا بدا انه يشعر بالخطر، لكنه لا يستشعر الخوف، فالشعور بالخطر ناجم عن سعة الدراية وحسن التقدير، ومن ثنايا الأخطار تولد القلوب الكبيرة، كما يقول أحد الفلاسفة، ومواجهة الخطر مرة خير من الخوف الدائم كما يقول آخر. أما الخوف، فهو ألد أعداء الانسان، ومن أقوال الإمام علي رضي الله عنه: اذا خفت أمراً تقع فيه واذا وُجد الخوف يقتل كل فرص التفكير، ويلجأ الخائف انسانا أم نظاماً، الى الصمت أو التقية، ويجمع حوله من يعتقد انه يستطيع الاعتماد عليهم، مما يتيح لفرق النفاق وأصحاب المصالح، وهم كالغبار لا مبادئ لهم ولا قيم ولا مفاهيم، غير ما يخدم مصالحهم.
وقد يكون النائب مروان حمادة أول الشهود السياسيين على جريمة العصر اللبناني، لكنه لن يكون الأخير، ربما كان الأكثر معايشة وقرباً للرئيس الشهيد، لكنه قد يكون بين الأكثر جرأة من الآخرين، مما يعزز آمال اللبنانيين بامكانية الوصول الى الحقيقة، حتى ولو لم تتوفّر ظروف العدالة الحقيقية لسلسلة الجرائم التي استهدفت فريقاً من السياسيين المصنّفين في خانة السيادة والاستقلال، فالأكثر إيلاماً من القتل، جهل القاتل أو تجهيله، وأكبر القتلة قاتل الأمل، ومن امتهن القتل كان الضمير، ضحيته الأولى.
البعض تخوّف، عن حق، من تداعيات مثل هذه الشهادات على الاستقرار اللبناني الممسوك وغير المتماسك، فلبنان الآن يقع ضمن المناطق التي يطلق عليها هنري كيسنجر في كتابه الجديد النظام العالمي اسم المناطق غير المحكومة، التي يعتقد انه سيكون لها تأثير كبير في انتشار الفوضى في العالم، مما يسمح بالحديث عن النظام العالمي المعولم الذي يقر كيسنجر بأن دونه النظرة الصينية المختلفة، والروسية الحذرة، والاسلامية الأكثر رفضاً، لمثل هذه النظريات.
وتردّ بعض الأوساط الرسمية بأنه حتى القيادات المتعارضة، بدأت تظهر قدراً عالياً من الوعي لأخطار الانجرار وراء غرائز الجاهلية المعاصرة، وتورد على سبيل المثال المساعي المشتركة بين الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لجمع تيار المستقبل وحزب الله على طاولة حوار، مهما بدا حجمها صغيراً أو متواضعاً، فالمداخل تكون ضيّقة غالباً، ثم تتّسع، وهناك معلومات يجري تداولها خلف الكواليس، حول مستقبل التورط في الحرب السورية، وما يجري في فيينا على مستوى الحوار النووي الايراني – الغربي، يخدم مثل هذه التوجهات، وهو مأخوذ بالاعتبار في بيروت، كما هو مأخوذ بالاعتبار أيضاً عودة قطر الى السرب الخليجي.
وثمة حديث عن اطلالة اعلامية للرئيس سعد الحريري الأسبوع المقبل، ليتناول آخر المستجدات حول الاستحقاق الرئاسي في محطته قبل الأخيرة، من نهاية السنة، وليضع لمساته على موقف المستقبل من الحوار المطلوب بينه وبين حزب الله، في ضوء تساؤلات بعض أطراف ١٤ آذار عن جدوى مثل هذا الحوار، من دون خطوات ملموسة تمهّد له وتعزّز فرصه، فيما لا ترى أطراف أخرى مانعاً من المحاولة والتكرار، فالبلد في حالة غرق، وعلى من يكون في هذه الحالة، أن يسبح ويسبح حتى يصل الى البرّ…