السبت الماضي، كان يوما لتكريم ثلاثة شهداء، قتلوا في مناطق مختلفة، لكن اليد واحدة، ولو تعددت، لان القصد من الاغتيالات الثلاثة كان ارهاب اللبنانيين وافهامهم، بأن يد القتل طويلة، ان كان في عكار، حيث استشهد الجندي الشاب جمال هاشم، او في بعبدا، حيث اغتيل داني شمعون وزوجته وولديه بدم بارد فاجر، او في الاشرفية، حيث فجر اللواء وسام الحسن واستشهد مع مرافقه.
في المناسبات الثلاث، ألقيت كلمات، فأكدت الاولى باسم قائد الجيش، ان العيش الواحد ووحدة المصير في عكار ولبنان بخير، ولن ينال منهما العمل الارهابي التكفيري مهما حاول، لان الجيش القوي بوحدته وباحتضان اللبنانيين له، اقوى من الارهاب واقوى من المؤامرة، وفي الثانية افصح النائب دوري شمعون عن اقتناعه بأن النظام السوري وراء اغتيال شقيقه داني، وفي الثالثة فجر وزير الداخلية نهاد المشنوق قنبلة امنية وسياسية من العيار الثقيل، وفجر معها المساكنة الاكراهية في الحكومة بين تيار المستقبل وبين حزب الله، ونسف ربط النزاع القائم بين الفريقين عندما حمل حزب الله مسؤولية اغتيال الحسن ورفيقه دون ان يسميه، وعندما اتهمه باستعمال الخطط الامنية لضرب خصومه، وحماية جماعته، دون ان يقدم شيئا في المقابل، بحيث يمكن القول ان لبنان ما بعد يوم السبت الماضي، لن يكون لبنان ما قبل السبت، فالجيش عنده حساباته وتدابيره الخاصة لحماية جنوده من جهة، والانتقال من التحفظ الى الوضوح من جهة ثانية، كما ان مسيحيي 14 آذار ستكون لهم مواقفهم الصارمة الموحدة، حيال جميع الملفات والقضايا العالقة، اما المواجهة بين تيار المستقبل وحلفائه، مع حزب الله وحلفائه، فستكون قاسية جدا سياسيا وربما امنيا، وخصوصا بعد تدهور العلاقات بين السعودية وايران الى حافة الاشتباك المرتقب، اما بالواسطة، واما مباشرة، وجميع الاسلحة متوفرة، شيعيا داخل البحرين والسعودية، وسنياً داخل ايران والعراق وسوريا، كما ان اليمن، ميدان قتال جاهز لتصفية الحسابات بين الدولتين.
في هذه الاجواء المشحونة، يبشر رئيس الحكومة تمام سلام اللبنانيين بان البلاد تدور في دوامة، وان معظم القضايا معطلة او مكربجة، وان الوضع لا يحسد عليه، حتى انه لم يعد متفائلا بالوصول الى ايجابيات في مسعى التفاوض مع الجماعات الارهابية لاطلاق الجنود الرهائن، وهذا يعني ان سلام المشهور بتفاؤله في عز الازمات، يدق ناقوس الخطر، ان الاوضاع الى انهيار وليس هناك من مكابح لوقف هذا الانهيار.
***
في المقابل، ويوم امس الاحد، كان قضاء جبيل على موعد مع الرئيس العماد ميشال سليمان، في احتفال وضع حجر الاساس لمستشفى جبيل والحكومي في بلدة ميفوق، ومع كلمته الشاملة الجامعة الوطنية، التي حدد فيها الداء ووصف له الدواء، فاعتبر ان بعض اللبنانيين يمارس ترف الرقص على حافة الهاوية، ويغامر بالرئاسة الاولى، ويستدرج المخاطر للجيش، رافضا الفراغ غير المقبول، ومحاولات شطب نداء بعبدا من ذاكرة المجتمع الدولي والشعب اللبناني، لانهم يرفضون تحييد لبنان، ويريدونه تابعا للمحاور المتناحرة، وكرر رفضه انغماس بعض اللبنانيين في الحروب خارج لبنان، لان الدفاع عن الوطن لا يكون خارج اراضيه، ودماء الشهداء يجب ان تروي ارض الوطن، لا ارض دولة اخرى، ورد على من قال ان «داعش» كان اقام حواجز له في جونيه لولا مقاتلته له، فاكد ان «من يريد ان ينصب حواجز في جونيه، يجب ان ينصب حواجزه في البقاع وبيروت وغيرها قبل الوصول الى جونيه»، مؤكدا ان جميع اللبنانيين يستطيعون الدفاع عن ارضهم والتاريخ يشهد على ذلك، وعلى الرغم من شعور الرئيس سليمان بالقلق على مصير الوطن والدولة والجمهورية بسبب سياسة المغامرة باسس الكيان اللبناني عند البعض، الا انه رسم خريطة طريق واضحة لتجنب مخاطر المرحلة الصعبة، تقوم على احترام التقاليد والاعراف والعادات والاخلاقيات والسلوكيات المتوارثة بالاضافة طبعا لاحترام الدستور والقوانين.
في كلمته امس الاحد، اكد الرئيس العماد ميشال سليمان، انه رجل دولة من الطراز الاول، حريص على الوطن والشعب والجيش والمؤسسات وقيام الدولة القوية العصرية، وعلى السيادة والاستقلال والحريات العامة والخاصة وعلى صيغة العيش الواحد، وعلى تداول السلطة والنظام الديمقراطي، وان وحدة اللبنانيين كفيلة بمنع اي تدخل في شؤونهم وشؤون دولتهم، وهذه الصفات هي المطلوبة برئيس الجمهورية القوي.