رغم أهمية حصول لبنان على قرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار في هذا التوقيت الدقيق، إلّا أنّ مخاوف تبرز حيال سوء استخدام الاموال المخصّصة في الاساس لدعم الفقراء، لتخطّي الأزمة الاقتصادية الناتجة من الانهيار، ومن تداعيات «كوفيد- 19».
وافق البنك الدولي على القرض المنتظر، وعلى العملة الصعبة التي تتلهّف لها البلاد، من خلال تقديم مساعدة طارئة للبنان قدرها 246 مليون دولار، على شكل تحويلات مالية وخدمات اجتماعية لنحو 786 ألف لبناني يعيشون في الفقر، ويرزحون تحت وطأة أزمتين اقتصادية وصحية خانقتين تشهدهما البلاد.
لكنّ، ومع دخول البلاد اليوم في فترة إقفال تام، مع حظر كامل للتجوّل لمدة 11 يوماً لاحتواء التفشي المتسارع لكوفيد-19، فإنّ حوالى 150 الف أسرة لبنانية مصنّفة تحت خط الفقر المدقع، لن تبدأ بالاستفادة من أموال البنك الدولي في الفترة القريبة، في حين انّ الإغلاق التام سيؤثر بشكل كارثي على العائلات والأطفال الذين يعانون من أوضاع اقتصادية هشّة، وسيُتركون بالتالي للتعامل مع الكارثة بأنفسهم، رغم انّ وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، اعلن الاثنين، أنّ الحكومة رصدت 75 مليار ليرة لبنانية كسلفة خزينة للهيئة العليا للإغاثة، تنفيذاً للخطة الاجتماعية الهادفة إلى مساعدة الأُسر التي ترزح تحت أوضاع معيشية حادة، بسبب الإجراءات المتخذة لمواجهة كورونا. ولكن التجارب السابقة في اول اقفال عام قرّرت الحكومة تنفيذه، أظهرت عدم وجود آلية واضحة وشبكة امان اجتماعي شاملة، لدعم الأُسر الأكثر حاجة بشكل فوري في تلك الظروف، بعيداً من المحسوبيات.
في موازاة ذلك، سيشكّل قرض البنك الدولي جرعة أوكسيجين جديدة للبنك المركزي، ستخوّله الحصول على 246 مليون دولار fresh من العملة الصعبة، هو بحاجة ماسة لكل دولار منها. وبما انّ التحويلات المالية للأُسر الأكثر فقراً ستسدّد بالليرة اللبنانية، فإنّ العملة الصعبة ستكون متاحة للمصرف المركزي الذي سيقرّر كيفية استثمارها او استخدامها، علماً انّ مصيرها على الأرجح سيكون بهدف مواصلة دعم استيراد المواد الاساسية وشراء المزيد من الوقت، قبل رفع الدعم بشكل كامل.
في هذا الاطار، اوضح المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة في وزارة الشؤون الاجتماعية عاصم أبي علي لـ «الجمهورية»، انّ قرض البنك الدولي ما زال يحتاج لإقراره في مجلس النواب، من اجل السير بالإجراءات المطلوبة للحصول على الاموال، آملاً ان يتمّ ادراجه على جدول اعمال الجلسة الاستثنائية يوم الجمعة. وقدّر الفترة الزمنية المتوقعة لبدء الاستفادة من اموال القرض بحوالى 3 الى 4 أشهر من تاريخ اقراره في مجلس النواب، شارحاً انّه بعد إقرار القانون يتمّ تحويل الاموال الى مصرف لبنان، علماً انّ القرض سيُحوّل على دفعات وتباعاً الى حسابات البنك المركزي وليس كاملاً، ليصار الى التدقيق به من قِبل ديوان المحاسبة. وتمنى أبي علي ان تسير عملية الرقابة بشكل سريع، وليس على غرار الفترة التي تستغرقها عادة المعاملات البيروقراطية والادارية، من اجل بدء استفادة الأُسر من المساعدات في اسرع وقت ممكن.
واشار الى انّ وزارة الشؤون الاجتماعية ما زالت تعمل على تحديث قاعدة بيانات الأُسر المحتاجة، على ان يصل عدد الأُسر المدققة مع نهاية آذار المقبل الى 230 ألف أسرة، ستكون مخوّلة الحصول تباعاً على تحويلات مالية شهرية، من خلال برنامج دعم الأُسر الأكثر فقراً وعبر قرض البنك الدولي. ولفت الى انّ البرنامج يهدف حالياً الى رفع عدد الأُسر المستفيدة من الدعم، من 15 ألف أسرة حالياً الى 50 الفاً في حلول آذار، من خلال هبة مالية أخرى متوفرة.
وأكّد أبي علي، انّ قرض البنك الدولي سيقدّم تحويلات نقدية إلى 147 ألف أسرة لبنانية ترزح تحت خط الفقر المدقع (ما يقارب الـ 786 ألف فرد) لمدة عام واحد. وستتلقَّى الأُسر المؤهلة مساعدةَ شهرية قدرها 100 ألف ليرة لبنانية للفرد الواحد بحدٍ أقصى 800 الف ليرة للأسرة الواحدة، بالإضافة إلى مبلغ ثابت قدره 200 ألف ليرة للأسرة الواحدة. وسيتمّ تحويل قيمة المساعدة النقدية للأُسرة الواحدة إلى بطاقة مسبقة الدفع يُصدرها مُقدِّم خدمات مالية، وتوزَّع على الأُسر المستفيدة التي يمكنها الحصول على المبلغ نقداً عبر ماكينات الصرف الآلي أو استخدامها إلكترونياً لسداد ثمن مشترياتها في شبكة من متاجر المواد الغذائية. علاوةً على ذلك، سيتلقَّى 87 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً تحويلات إضافية لتغطية النفقات المباشرة للتعليم، ومنها رسوم التسجيل في المدرسة، ورسوم مجالس الأهل، وتكاليف الكتب المدرسية، ومصاريف الانتقال والزي المدرسي، ومعدات الحاسوب و/أو النفقات المرتبطة بشبكة الإنترنت لتسهيل التعلّم عن بُعد. وستُدفع الرسوم المدرسية بشكل مباشر إلى المدارس المعنية.
في التفاصيل، وافق مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي يوم الثلثاء على مشروع جديد بقيمة 246 مليون دولار أميركي، لتقديم تحويلات نقدية طارئة وتيسير الحصول على الخدمات الاجتماعية لحوالى 786,000 لبناني فقير يرزح تحت وطأة ضغوط الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان وجائحة فيروس كورونا. وسيساند المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الإجتماعي للإستجابة لجائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية في لبنان أيضاً، تطوير نظام وطني شامل لشبكات الأمان الاجتماعي، لتحسين القدرة على مواجهة الصدمات الحالية والتي قد تطرأ في المستقبل.
وفيما يواجه لبنان أزمات مضاعَفة وغير مسبوقة أدَّت الى زيادة نسبة الفقر الى 45% ونسبة الفقر المدقع الى 22%، حيث تشير التقديرات إلى أنّ نحو 1.7 مليون شخص قد أصبحوا تحت خط الفقر، منهم 841 ألفاً دون خط الفقر الغذائي، فإنّ قرض البنك الدولي يهدف، وفقاً لوزارة الشؤون الاجتماعية، الى رفع عدد الأُسَر التي تستفيد حالياً من برنامج دعم الأُسر الاكثر فقراً بحوالى 150 الف اسرة إضافية، ليصل العدد الإجمالي الى 200 ألف، مما يعني تغطية كل الأُسر المصنّفة تحت خط الفقر المدقع.
وقد صرّح المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه، «إنّ تداعيات هذه الصدمات المتكرّرة على الرفاه الاقتصادي للأسر واسعة النطاق، قد تكون كارثية. ومع ازدياد معدلات الفقر وعدم المساواة، بات الاستقرار الاجتماعي معرّضاً للخطر، وقد تضيع بسهولة مكاسب الاستثمار في رأس المال البشري التي تحقَّقت، بعد بذل جهود كبيرة في هذا المجال. وسوف يدعم المشروع الجديد عملية توسيع البرنامج الوطني لاستهداف الأُسر الأكثر فقراً، لاسيما منها تلك التي تعيلها نساء، وتلك التي تتضمّن ذوي الاحتياجات الخاصة أو كبار السن».
يهدف المشروع إلى توسيع وتعزيز مظلة البرنامج الوطني لدعم الأُسر الأكثر فقراً في لبنان، والذي أُطلِق في عام 2011 بدعمٍ من البنك الدولي. وسيستخدم المشروع، شأنه شأن البرنامج الوطني، منهجية استهداف تقوم على أسلوب اختبار قياس مستوى الدخل الفعلي (Proxy Means Testing) لتحديد الأُسر المؤهّلة المستفيدة في كل أنحاء الأراضي اللبنانية، وكذلك أسلوب استهداف وفق الفئات الاجتماعية، لإعطاء أولوية للفئات المهمّشة.
وتتضمن منهجية اختبار قياس مستوى الدخل الفعلي تقييم أهلية الأسرة للاستفادة من المشروع تبعاً لدرجة الفقر لكل أسرة، واستناداً إلى مواردها وخصائصها الديموغرافية التي ترتبط بالفقر. وسيجري تقييم دقيق لكافة المستفيدين قبل إعلان أهليتهم للحصول على المساعدة. وبناء على الخبرة المكتسبة في تنفيذ البرنامج الوطني، سيتمّ التعاقد مع برنامج الأغذية العالمي لتولذي مهمة تنفيذ المساعدات النقدية.
وسيساند المشروع أيضاً تيسير الحصول على خدمات اجتماعية ذات جودة، تقدّمها مراكز التنمية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية إلى 100 ألف فرد من الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً، وسيوفّر للأخصائيين الاجتماعيين في الوزارة وعلى مستوى المراكز، أنشطةً وبرامج لبناء قدراتهم وتمكينهم من تحسين أدائهم.
وأوضحت كبيرة مسؤولي العمليات في البنك الدولي ورئيسة فريق العمل حنين السيد، انّ «الأهم من ذلك، ولضمان الاستدامة، سيدعم المشروع تطوير آلية شاملة لنظام شبكة الأمان الاجتماعي، يمكّنها من الاستجابة للصدمات في المستقبل. وستستند هذه الآلية إلى سجل اجتماعي وطني متكامل، تقوم الحكومة اللبنانية بإنشائه، ويتيح تحديد الأُسر المؤهّلة لتلقي المساعدات الاجتماعية على نحو فوري وفعاّل، وبناء على تقييم لاحتياجاتها وظروفها المعيشية».
وستتولّى رئاسة مجلس الوزراء مسؤولية إدارة تنفيذ المشروع، من خلال وحدة الإدارة المركزية للبرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً في لبنان بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم العالي، وتحت إشراف اللجنة الوزارية المعنية بمتابعة المواضيع المتعلقة بالشأن الاجتماعي التي يرأسها رئيس مجلس الوزراء، والمسؤولة عن إعداد خطة شاملة للتنمية الاجتماعية في لبنان.
وسيعتمد المشروع آلية فعَّالة لمعالجة المظالم، لضمان الإجابة عن الاستفسارات وتسوية الشكاوى على وجه السرعة وبكفاءة وشفافية. كما سيتمّ التعاقد مع جهة ثالثة متخصصة بعملية المتابعة والرصد، من أجل التحقق من أهلية المستفيدين ومن حصول المستفيدين النهائيين على مستحقاتهم. علاوةً على ذلك، سيجري تشكيل فريق استشاري يتألف من خبراء محليين من المؤسسات الأكاديمية ومعاهد البحوث والمجتمع المدني في مجالات الفقر والسياسات الاجتماعية، لتقديم المشورة إلى اللجنة الفنية للمشروع، ولضمان المشاركة المتواصلة لأصحاب المصلحة في المشروع.