مِنح مادية بقيمة 25 مليون دولار لـ 4300 مؤسسة صغيرة لتغطية نفقات رأسمال العامل والترميم
“خطف” مبلغ 357 مليون دولار المقر لـ”دعم سكان لبنان” في مؤتمر 4 آب، الأضواء من أمام مقررات لا تقل أهمية. فالمؤتمر خلص إلى بدء “الصندوق الإئتماني المخصص للبنان” (LFF)، في صرف الأموال للشركات الصغيرة والمتوسطة.
بالفعل أعلن البنك الدولي بعد يوم واحد من مؤتمر 4 آب عن توقيع إتفاقية المنحة الخاصة بـ”صندوق إعادة بناء مؤسسات الأعمال في بيروت” (B5) أو ما يعني: (Building Beirut Businesses Back and Better -B5 Fund) بقيمة 25 مليون دولا أميركي. (B5) هو جزء من “الصندوق الإئتماني المخصص للبنان” (LFF) الذي ولد كانون الأول 2020 في أعقاب إطلاق “إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار”، من أجل تعبئة الموارد التمويلية من المنح والهبات، لمساعدة الفئات الأشد حاجة المتضررة من الانفجار. يهدف المشروع إلى دعم تعافي مؤسسات الأعمال الميكروية والصغيرة التي تضررت بشكل مباشر من جراء انفجار مرفأ بيروت، وتعزيز عمل مؤسسات التمويل الأصغر المؤهلة. كما سوف يساعد على الحفاظ على الوظائف في القطاع الخاص والحد من عمليات إغلاق المؤسسات وتسريح العمال. المشروع ممول بشكل أساسي من كندا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا، وستتولى عملية التنفيذ شركة “كفالات”، التي تدير حالياً مشروع مساندة الابتكار في مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة الممول من البنك الدولي.
سريعة العطب
تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم بحسب وزارة الإقتصاد “ما يقارب 95 في المئة من الشركات في لبنان وتوظف حوالى 50 في المئة من اليد العاملة”. إلا أن هذه الشركات التي تعتبر العصب والعمود الفقري للإقتصاد والمحرك الأساسي لتعزيز النمو وخلق فرص العمل، سريعة العطب. وللدلالة، فإن 3 من كل 10 مؤسسات صغيرة على الصعيد العالمي، تقفل قبل مرور سنتين على افتتاحها، و 5 من كل 10 تقفل قبل مرور خمس سنوات. هذا في الظروف الطبيعية. فكيف الحال مع أزمة إقتصادية ونقدية صنّفت بحسب البنك الدولي من بين الأزمات الثلاث الأكثر حدة عالمياً منذ أواسط القرن التاسع عشر، وفي ظل تفجير العاصمة بيروت في 4 آب 2020؟!
تشير أرقام البنك الدولي إلى أن التفجير تسبَّب بخسارة موجودات ومخزونات حوالى 10 آلاف مؤسسة أعمال خاصة تقع ضمن نطاق 5 كيلومترات من موقع الانفجار. ويُظهر مسح سريع على مستوى الشركات أجراه البنك الدولي في تشرين الثاني وكانون الأول 2020 أن نحو 17 في المئة من الشركات قد أغلقت بالفعل إغلاقاّ دائماً أو يُفترَض أنها أغلقت، وأن 79 في المئة من الشركات شهدت تراجعاً في المبيعات بنسبة 69 في المئة كمعدل وسطي، وأن 61 في المئة من الشركات قد قلَّصت عدد موظفيها الدائمين بمعدل نسبته 43 في المئة. وتجهد مؤسسات الأعمال المتضررة في عدد من القطاعات، لا سيما المؤسسات الميكروية والصغيرة والمتوسطة، لتمويل احتياجاتها لإعادة الإعمار والتعافي، وتجد صعوبة بالغة في استئناف تقديم الخدمات ما لم تحصل على مساعدات مالية عاجلة. خصوصاً أن الإنفجار كشف عن هشاشة القطاع المالي. حيث تدهورت إمكانية الحصول على التمويل بشكل حاد. وفي ظل استجابات محدودة للغاية من قِبَل السلطات اللبنانية على صعيد سياسات دعم تعافي القطاع المالي، تجد الشركات التي تضررت من الانفجار صعوبة بالغة في تمويل احتياجاتها لإعادة الإعمار والتعافي”.
الكل يعاني
وزارة الإقتصاد التي ترحب بحسب مصادرها بأي دعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لما لها من أهمية على الصعيد الإقتصادي، تعتبر أن عجز هذه المؤسسات عن تأمين الرأسمال التشغيلي يوقعها ويوقع الإقتصاد والمواطنين في مشاكل كبيرة. ويكفي أن تعجز مؤسسة تجارية أو ملحمة أو محترف صغير لتصنيع الألبان والأجبان عن إصلاح براد معطل حتى نقع في أزمة سلامة غذاء. كما أن هناك أفراناً صغيرة ومؤسسات تجارية وخدماتية تقفل بسبب العجز عن تحمل كلفة مادة المازوت التي هي أبسط الإحتياجات. من جهته يلفت رئيس جمعية تراخيص الإمتياز يحيى قصعة إلى أن “كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية في لبنان تعاني من وجودها فوق صفيح الدولة الساخن وغير المستقر، بغض النظر إن كان بعضها استطاع التأقلم والصمود. وإن كانت هناك نسبة ضئيلة لا تعاني مادياً بسبب انفتاحها على الأسواق الخارجية وتوفر مقومات تأمينها للعملة الصعبة، فهي تعاني حكماً من القرارات التي تتخذ والعرقلة السياسية وهجرة الموظفين. وبحسب قصعة فإن “ثلث وقت العمل في النهار يقضيه أرباب الشركات والمدراء في محاولة تأمين الطاقة وتشغيل الماكينات والمعدات. وبرأيه يكفي القيام بجولة في الأسواق التجارية لنلاحظ أن 50 في المئة من المؤسسات مقفلة بشكل نهائي، و20 في المئة فاتحة أبوابها فقط لكي لا تقفل. ومن وجهة نظر قصعة فان “الأزمة شلّت ثلثي حركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والثلث الباقي مهدد كلما طالت الأزمة أكثر”.
دعم رأس المال العامل
أمام هذا الواقع المعلوم من البنك الدولي، سيُقدِّم صندوق (B5) مُنحاً إلى نحو 4300 مؤسسة من مؤسسات الأعمال الميكروية والصغيرة لتغطية نفقات تتصل برأس المال العامل، والخدمات الفنية، والمعدات، وأعمال الترميم. وستشكل المؤسسات التي تمتلكها أو تقودها نساء حوالى 30 في المئة من مجموع المؤسسات المستفيدة، وستحظى هذه المؤسسات بالدعم المادي والفني لمساعدتها على إعادة البناء على نحو أفضل. كما سيتم بذل الجهد أيضاً لتحديد ومساندة رواد الأعمال ومؤسسات الأعمال الذين أصيبوا بشكل مباشر أو غير مباشر بإعاقة من جراء الإنفجار. كما سيدعم صندوق (B5) النفقات التشغيلية لما يصل إلى خمس مؤسسات من مؤسسات التمويل الأصغر التي تخدم مؤسسات الأعمال الميكروية والصغيرة، والسكان ذوي الدخل المنخفض، والقطاع غير الرسمي عموماً، وسيساعدها بالتالي على دعم المجتمعات المحلية التي تخدمها في ظل الأزمات المتعددة وتحقيق استقرار أنشطتها، إلى حين استئناف النمو على نطاق أوسع. وبحسب المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه فان “صندوق إعادة بناء مؤسسات الأعمال في بيروت، هو الخطوة العاجلة الأولى لمد مؤسسات الأعمال بالدعم الحيوي وضمان قدرتها على الاستمرار في ظل الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلاد. وبفضل الدعم المالي الذي قدمته كل من كندا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا، يطلق المشروع اليوم شرارة تنفيذ مشاريع ذات أولوية تشتد الحاجة إليها، وقد تم التخطيط لها في إطار الصندوق الائتماني المُخصَّص للبنان الذي سيزود اللبنانيين بمساعدات إغاثية اجتماعية واقتصادية فورية، ويساعد مؤسسات الأعمال الميكروية والصغيرة والمتوسطة على التعافي وتهيئة الظروف للإصلاح وإعادة الإعمار، وذلك لوضع لبنان على مسار التعافي المستدام”.
شروط المساعدة
سيعتمد صندوق (B5) آلية تحديد أولوية المستفيدين المؤهلين على أساس مدى قربهم من موقع الانفجار. كما يعتمد الصندوق تصميماً مبسطاً يتيح تقديم المنح في الوقت المناسب وبطريقة ميسورة التكلفة إلى مؤسسات الأعمال لا سيما المؤسسات الأشد احتياجاً. وسيكون صرف الأموال إلى المستفيدين من المنحة مشروطاً بإتمام عملية التحقق التي تجريها مؤسسات التمويل الأصغر وشركة كفالات للتأكد من وضع الأضرار التي أصابت المؤسسة من جراء الانفجار، بالاستناد إلى التقييمات الأولية التي أجراها الجيش اللبناني مباشرةً بعد الانفجار، ولتفادي تمويل نفس جهة الصرف أكثر من مرة من مصادر مختلفة. وللمزيد من الشفافية سيتم تكليف جهة ثالثة للرصد على مستوى الصندوق الائتماني المُخصَّص للبنان للتحقق بشكل مستقل، والتأكيد أن المعايير وإجراءات اختيار المؤسسات المؤهلة والتقييم واستخدام الأموال تجري وفقاً لدليل عمليات المشروع. علاوةً على ذلك، ستتولَّى أيضاً هيئة الرقابة المستقلة التابعة للصندوق الائتماني المُخصَّص للبنان متابعة أنشطة صندوق (B5).
صندوق (B5) الذي يمتاز بمرونة التصميم وبقابليته للتوسعة، يبقى خطوة صغيرة، إنما في الإتجاه الصحيح نحو دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.