Site icon IMLebanon

البنك الدولي يتحفّظ… لا بطاقة تمويل ولا كهرباء

 

 

توحي المؤشرات والوقائع بأنّ البلد مقبل على مرحلة اكثر سواداً من المرحلة التي مرّت عليه في السنتين الأخيرتين. وستكون الضغوطات المالية قاسية، والخدمات الأساسية غائبة، والدعم المالي المباشر الموعود مفقود، إلى أجل قد يطول.

في السادس من نيسان الجاري، زار وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار، قصر بعبدا وأطلع رئيس الجمهورية على ملف البطاقة التمويلية المنتظرة، وقال عقب اللقاء، انّ البدء في المشروع ينتظر إقرار التمويل من البنك الدولي.

 

أعطى هذا التصريح الانطباع بأنّ البدء في دفع الاموال على قاب قوسين أو أدنى، وانّ الحكومة تنتظر ان ينفذ البنك الدولي وعده ويُفرج عن التمويل للبدء في دفع الاموال للمستحقين.

 

لكن الوقائع هي غير ذلك تماماً. وكان ينبغي مصارحة اللبنانيين بالحقيقة كما هي. إذ لا تمويل لمشروع البطاقة في المدى المنظور، لأسباب تعرفها الحكومة وتتكتّم عنها في ما يشبه التضليل غير البريء. صحيح انّ البنك الدولي، وعد مبدئياً بتأمين قرض لتمويل هذه البطاقة، لكن الصحيح أيضاً انّه اشترط للإفراج عن القرض ان تنجز الحكومة مشروع إعادة هيكلة الدين العام، والانخراط في خطة للتعافي، لضمان استدامة (sustainability) الدين، بحيث يصبح في الإمكان معرفة قدرة الاقتصاد على الاقتراض الإضافي لتمويل المشاريع، ومن ضمنها البطاقة التمويلية. بمعنى آخر، لا قروض اضافية من البنك الدولي في الوقت الراهن، بانتظار موافقة صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل لخطة التعافي التي وضعتها الحكومة ووافق عليها الصندوق مبدئياً، ووضع لائحة شروط ينبغي الالتزام بها مسبقاً للوصول الى مرحلة التمويل. فهل تبدو هذه الفترة قصيرة لكي يُقال للناس انّ البطاقة التمويلية جاهزة وتنتظر فقط التمويل من البنك الدولي؟ وهل من المجدي انتظار موعد 26 نيسان لمعرفة القرار رسمياً ؟ حتى الآن لا تمويل، إلّا اذا حصلت مفاجأة غير متوقعة من العيار الثقيل.

 

هذا الواقع الذي لا تكشفه الحكومة على حقيقته وتعتمد فيه اسلوب التضليل المُتعمّد، من خلال قول نصف الحقيقة، يعني عملياً انّ الطبقة الوسطى التي كان يفترض ان يشملها المشروع ستبقى مكشوفة مالياً لفترة طويلة. ومن المعروف انّ هذا الشق من المشروع، والذي لا علاقة له بمشروع «آمان» الذي بدأ تنفيذه ويشمل الأكثر فقراً فقط، كان يُفترض أن يغطي ويدعم كل لبناني غير ثري. لكن يبدو انّ هذا الأمر لن يحصل في المدى المنظور، وسيتحول قسم كبير من اللبنانيين الى فقراء اكثر مما هم عليه اليوم، في الاشهر المقبلة، بلا أي دعم أو غطاء.

 

ولا تقف هذه القضية عند هذا الحدّ، إذ انّها تفتح النقاش حول عملية تمويل استجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر لزيادة ساعات التغذية. ورغم الكلام الذي يُساق في شأن الأسباب التي لا تزال تعرقل البدء في تنفيذ المشروع، إلّا أنّ موقف البنك الدولي من مشروع البطاقة التمويلية، يعني عملياً انّ البنك لن يقدّم أي قرض جديد للبنان قبل التأكّد من قدرة الاقتصاد على تحمّل قروض جديدة تُضاف الى قروضه القديمة (اليوروبوندز) التي توقف عن دفعها في آذار 2020. وبالتالي، فإنّ ما يعرقل قضية الكهرباء يرتبط على الأرجح بإجراءات ينبغي ان تتخذها الحكومة. وإذا سلّمنا جدلاً بأنّ لا ربط بين قرض الكهرباء وقرض البطاقة التمويلية، الّا أنّ المطلوب في مسألة الكهرباء، وإذا كان الأمر لا يحتمل انتظار إعادة هيكلة الدين العام، إجراءات ميدانية تتعلق بالتعرفة والجباية تضمن قدرة مؤسسة الكهرباء على تحمّل القرض الجديد، والقدرة على إعادة الاموال من ايرادات المؤسسة نفسها، طالما انّه لا يمكن الاعتماد على الدولة مؤقتاً للالتزام وتنفيذ تعهدات بتسديد قروض اضافية، قبل معرفة مصير القروض القديمة. ويبدو هنا أيضاً، انّ الحكومة وهي على أبواب انتخابات نيابية، ومكوناتها الأساسية منخرطة في هذه المعركة، عاجزة عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات، خصوصاً في غياب البطاقة التمويلية التي كان يمكن ان تشكّل سنداً يمكن ان يعوّض على المواطن جزءاً من الأثقال المالية الجديدة المطلوب ان يتحمّلها للحصول على بضع ساعات من الكهرباء.

 

انّها الحلقة المفرغة التي أُدخل اليها اللبناني رغماً عن إرادته، وكلما طال الوقت كلما أصبح الخروج منها أصعب وأقسى.