مجتمع قضية
أسباب كثيرة يشهرها معارضو سد بسري من الخطر الزلزالي الى تدمير مرج بسري وآثاره. إلا أن الاهم أن السدّ لن يحقق، بالأرقام، علّة إنشائه، وهي تأمين 125 مليون متر مكعب من المياه سنوياً لصالح بيروت الكبرى كما يعد المموّلون. يستند هؤلاء إلى وثائق البنك الدولي نفسه – المموّل الأول للمشروع – وإلى جداول مصلحة مياه الليطاني، ليخلصوا إلى التشكيك في كميّة المياه التي يُزعم ان السدّ سيؤمّنها
في آخر بيان أصدره مجلس الإنماء والإعمار، بعنوان «سدّ بسري ليس مشروعاً تهجيرياً للسكّان»، أعاد التأكيد على أن «كمية المياه التي سيرفد بها السد تفوق المخزون المطلوب بحسب بيانات المتساقطات وقياس كميات التصريف في نهر بسري للأعوام الـ 40 الأخيرة». إلاّ أن أرقام بيانات تصريف نهر بسري تبيّن عكس ما يقوله المجلس، فيما يشكّك ناشطون واختصاصيون مهتمّون بقضية المرج بهذا «التأكيد» لأنه يتناقض مع مستند صادر عن البنك الدولي أواخر عام 2018. المستند حدّد الحدّين الأدنى والأقصى لمصادر المياه من نهر الأوّلي/بسري بين 60 مليون متر مكعّب و100 مليون سنويّاً، ونبع عين الزرقا بين 14 مليون م3 و41 مليوناً، وينابيع جزين بين 5 ملاييم م3 و17مليوناً، وبحيرة القرعون بـ 60 مليون م3 (علماً أن المرسوم رقم 14522 الصادر عام 1970 حدّد احتياطي مدينة بيروت منها بـ50 مليون م3).
يلفت أخصائي الجودة رجا نجيم إلى أن «البنك الدولي بدّل توقّعاته من دون أن يغيّر موقفه من السد الذي فقد مبرّر وجوده وفق هذا المستند. فهو للمرة الأولى يحدّد الحدّين الأدنى والأقصى لمصادر المياه من نهر الأولي/ بسري، علماً أن الحد الأقصى لا يمكن تعميمه، لأن جداول تصريف مياه النهر خلال الـ25 سنة الماضية تؤكد أنه لن يتمّ الوصول اليه إلاّ عاماً واحداً أو عامين من أصل كلّ 10 أعوام. وحتى لو سلّمنا بهذه الأرقام، فإنه بالمنطق السليم تنقسم الكمية بين 40 مليون م3 لنهر بسري و20 مليون م3 لنهر الأولي». ويوضح أن «وجود هذه الكمية فقط لصالح بسري يعني عدم توافر كمية المياه كما يتمّ الترويج له لصالح بيروت الكبرى. فنهر بسري / الأولي يكفي لتلبية حاجات المناطق الموجودة على مساره، وهي لا تحتاج إلى سدّ». أما «الإبقاء على التصميم الحالي للسد والمساحة السطحية لبحيرته والمُقدّرة بنحو 2.5 مليون متر مربع، فله نتائج عدة منها تبخّر المياه بفعل التخزين السطحي وفي ظلّ التغيّر المناخي، والترسّبات في قعر السد التي ستخّفض من سعته، وكميات المياه المُخصّصة لصالح إقليم الخروب، ولتأمين استدامة نهر الأولي حتّى المصب وحاجات المناطق على طول مساره». هذا كله يلغي الحجة الأساسية للمشروع، ويفترض بالتالي أن «يؤدي إلى إلغاء المشروع لعدم جدواه، خصوصاً أن المراسيم والقوانين الخاصة بالاستملاكات وقبول القروض وُضعت على أساس أن سعة السد تبلغ نحو 125 مليون م3 من المياه لصالح بيروت الكبرى».
يصف نجيم ما أورده البنك الدولي عن توفير بحيرة القرعون 50/ 60 مليون م3 سنويّاً لبيروت الكبرى بالـ «مستحيل، إلاّ إذا تعدّى حجم الكمية الوافدة الى البحيرة الـ200 مليون م3 سنوياً، علماً أن المعدّل الوسطي السنوي في السنوات الأخيرة لا يتجاوز 105 ملايين م3»، أضف إلى ذلك «أن الليطاني والقرعون ملوّثان بمُعدّلات قياسيّة، ومُعالجة التلوث (خصوصاً السيانوبكتيريا) تتطلّب تكنولوجيا متطوّرة غير متوافرة في لبنان، مما يجعل أي خطأ في المعالجة سبباً في كارثة صحية بين سكان بيروت».
أما في ما يتعلق بالتغذية من مياه نبع عين الزرقا بكمية تتراوح بين 14 و41 مليون م3/ سنوياً، فإن «الكميات الفعليّة أقل من ذلك، واستخدامها الحالي يغطي بعض بلدات الجنوب ونحو 70 بلدة في البقاع الغربي وراشيا، إضافة الى إنتاج الكهرباء أحياناً». فيما الكمية المفترض الاستفادة منها من ينابيع جزين (5 – 17 مليون م3)، فهي أيضاً «مستثمرة بشكل شبه كامل من قبل سكان المنطقة جرداً ووسطاً وساحلاً، بطريقة مباشرة أو بواسطة مؤسسة مياه الجنوب وينابيعها (مثل عين القبيس) وآبارها (مثلاً في سهل عدوس حيث تصب مياه نبع عين مجدلين) أو نفق مياه مصلحة الليطاني الذي تصب مياهه في بركة أنان ويُنقل قسم منها إلى شرق صيدا. ومع تلوث الليطاني والقرعون… يصبح حصول أهالي جزين على المياه في سنوات الشح مستحيلاً».
بيان مجلس الإنماء والإعمار التفصيلي، رأى أن «كمية المياه التي سيرفد بها السد كافية بحسب الدراسة الهيدرولوجية الحديثة الموضوعة له»، وأن المخزون الذي سيؤمنه السد (125 مليون م3/ سنوياً) يستند إلى «بيانات المتساقطات وقياس كميات التصريف في نهر بسري للأعوام الـ 40 الاخيرة والتي تبيّن أن معدلها العام هو 133 مليون م3 سنوياً، وترتفع الى حدود 267 مليون م3 في سنوات الغزارة». وخلص إلى «أن الكمية تفوق كمية التخزين المطلوبة، وأن هذا المخزون مؤمن سنويا في الحالات الطبيعية». لكن التدقيق في المستندات التي نشرها المجلس قبل مدة، وفي الجداول الصادرة عن مصلحة الليطاني، تبيّن «أن لا وجود لأي دراسة هيدرولوجية حديثة، إذ إن الجدول العام لتصريف مياه نهر بسري الصادر عن المجلس يصل الى عام 2012 – 2013 فقط» وفق نجيم. كما أن «جدول المتساقطات لحوض تغذية مرج بسري يتوقف عند عام 2009. لذلك لا معنى للمبالغة بالإعلان عن الرجوع 40 سنة إلى الوراء، كونه ثمة نقص (بسبب الحرب وما بعدها) في قياس تصريف نهر بسري، بين الأعوام 1974 و1981 وبين 1984 و2000». أما ارتفاع كميات التصريف في نهر بسري إلى 267 مليون م3، «فهذه الكمية استثنائية وتعود لعام 1969 (من خارج الـ40 عاماً) وقد أوردها البيان بهدف التضليل ولا جدوى منها طالما أنّ سعة السد هي 125 مليون م3، متناسياً الحدّ الأدنى الذي وصل حتى عام 2013 إلى 55 مليون م3، وهو معطى أساسي لتحديد سعة السد».
المشروع مخاطرة بتهجير قسم من أهالي جزين والجوار وتضليل لأهالي بيروت والشوف والإقليم
هيدرولوجيا مشروع سدّ بسري يختلف عن سد القرعون (الذي تصل تغذيته الى 400 مليون م3 سنويّاً، مع إستثمار شبه كامل خلال كل أشهر السنة، رغم انّ سعته القصوى نحو 225 مليون م3)، أمّا «سد بسري فهو يجمع المياه أواخر الخريف وفي الشتاء مما يتبقّى من مياه نهر الباروك/ نبع باتر ونهر عاري/ جزين، ويخزّنها لعدة أشهر لتصريفها لصالح بيروت الكبرى ضمن فترة الشح التي تتراوح بين 4 و5 أشهر». وبفعل التغيّر المناخي والاحتباس الحراري والجفاف المُبكر «الذي بدأت تظهر نتائجه منذ 2014، كان على مجلس الإنماء إعادة النظر بالمشروع برمّته. إذ تراجعت كميات تصريف نهر بسري، أساس المشروع، في السنوات الخمس السابقة وصولاً لعام 2017 – 2018، ولم يصل المعدل الوسطي السنوي لهذه السنوات إلى 50 مليون م3/ السنة، فيما انخفض الحد الأدنى عن 30 مليون م3». والأجدى هو العودة إلى أرقام الـ25 سنة الماضية (1994 – 2019)، وفق متابعي الملف، إذ أن هذه الفترة هي الأنسب للمقارنة نظراً للتغير المناخي مع التدنّي التدريجي للمعدل الوسطي السنوي، فمن أصل الـ25 سنة وصل هذا المعدّل إلى 125 مليون م3 خلال 3 سنوات فقط، وفي سنتين لامس الـ110 ملايين م3! الخلاصة التي يصل إليها الأخصائيون تعتبر أن مشروع سدّ بسري «تجميع سطحي للمياه وتالياً مشروع سيواجه الفشل، نظراً إلى الأخطاء في احتساب سعته وتضخيم الأرقام من دون الالتفات إلى التغيّر المناخي والاحتباس الحراري، مما يعني أن السد لن يؤمن للمستهلك البيروتي الكمية المعلن عنها بشكل سنوي ثابت (فقط عام واحد او إثنين من أصل 10 أعوام مع عدم توفّر شبه كلّي للمياه لصالح بيروت الكبرى ضمن القسم الأكبر من الأعوام المتبقية)». نجيم بدوره يرى أن المشروع هو «مخاطرة بتعطيش وتهجير قسم من أهالي جزين والجوار حتى المناطق الساحليّة، ووعود مضلّلة لأهالي بيروت الكبرى والشوف والإقليم، إذ لن تتمكّن الإدارة الرسمية من تأمين الكميات الموعودة لا بل ستصبح فاتورة المياه ثلاثة فواتير على جيوب فقراء بيروت».
الشوائب في مشروع سد بسري المهدّد بانخفاض قدرته الاستيعابيّة جراء الترسّبات التي ستنتج عن انهيار الأتربة من حوله، تشرحها الخبيرة والباحثة في الموارد الطبيعيّة ميرنا الهبر مشيرة الى أن «ثمة حذراً كبيراً من نوعيّة الأرضيّة التي سيقام عليها السد وجوانب البحيرة، لأنها من النوع غير المستقرّ الذي يتفاعل إلى حدّ كبير مع المياه خصوصاً مياه الشتاء. التربة معرّضة للانجراف، فكيف الحال إذا شربت لسنوات من مياه السد؟ ما يثبّت التربة حالياً هو الأشجار الموجودة عليها، وأي تعرّض لها سيؤدّي إلى انهيارات في الحوض». وتلفت الى «إشارات عديدة حيال انهيار أجزاء من الجبال المحيطة بمنطقة السد، وهذا يعني بلوغ الأتربة قعر بحيرة السد، لتشكّل ترسّبات كبيرة ستؤدّي إلى خفض سعة التخزين وتطرح السؤال حول كيفيّة إزالتها لاحقاً».