IMLebanon

تفاصيل المشروع الطارئ لمكافحة الفقر في لبنان

 

الفراغ الذي تركه تنحّي السلطة عن معالجة الأزمات الحياتية المتفاقمة، تمّ ملؤه بـ”قرض الحماية الاجتماعية” من البنك الدولي. 246 مليون دولار أصبحت جاهزة لمساعدة نحو 200 الف عائلة تعاني الفقر، مرحلياً. ليبقى القضاء على هذه الظاهرة والتخفيف من حدتها خلال السنوات اللاحقة رهناً بالسياسات الحكومية، حيث من المستحيل الاتكال على القروض والمساعدات فقط لتجاوز مثل هذه الازمات.

 

 

يصف تقريرالبنك الدولي الأزمة الإقتصادية في لبنان “بالكساد المتعمد”، حيث ان “الافتقار المقصود إلى إجراءات سياسية فعّالة من جانب السلطات أدى إلى تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل. فالبلد “يعاني استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث باتت هجرة العقول تمثل خياراً يائساً على نحو متزايد”. معتبراً أنّ “عبء التعديل الجاري في القطاع المالي يتركّز بشكل خاص على صغار المودعين”، إضافة الى القوى العاملة المحلية والشركات الصغيرة. مرجحاً تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل حاد إلى -19,2 في المئة عام 2020، بعد انكماشه بنسبة -6,7 في المئة عام 2019. وقال إنّ انهيار العملة أدى إلى”معدلات تضخم تجاوزت حد 100%.”أما بالنسبة لمعدلات الفقر، فمن المرجّح ان تستمر بالتفاقم لتصل الى 50% من السكان في 2021”. هذا ويعاني لبنان ايضاً من آثار الأزمة في سوريا ونسبة النازحين السوريين، إذ إنهم يشكلون ربع السكان.

 

أمام هذه المعطيات المقلقة، رفع البنك الدولي “قرض الحماية الاجتماعية” الموقّع من الجانب اللبناني في 10/12/2020 الى مجلس ادارته لدراسته واعطاء الموافقة. وبعد طول انتظار، أعلن المكتب الاعلامي في وزارة المالية اللبنانية في بيان صادر في 2/01/2021 ان “مجلس امناء البنك الدولي وافق بدعم من اكثرية الدول على اتفاقية قرض شبكة الأمان الإجتماعي للبنان والبالغة قيمته 246 مليون دولار”.

 

تعريف مشروع شبكة الأمان الاجتماعي

 

يهدف المشروع الى تقديم تحويلات نقدية إلى 147 ألف أسرة لبنانية ترزح تحت خط الفقر المدقع والمهمشين (ما يقارب الـ786 ألف فرد) لمدة عام واحد. وستتلقَّى الأسر المؤهلة مساعدة شهرية قدرها 100 ألف ليرة لبنانية للفرد الواحد، بالإضافة إلى مبلغ ثابت قدره 200 ألف ليرة للأسرة الواحدة وذلك من خلال بطاقة مسبقة الدفع يصدرها احد مقدمي الخدمات المالية، وتوزَّع على الأسر المستفيدة التي يمكنها الحصول على المبلغ نقداً عبر ماكينات الصرف الآلي أو الدفع بشكل رقمي لسداد ثمن مشترياتها في شبكة من المتاجر الغذائية. ويهدف القرض ايضاً الى منع تسرب الأطفال من المدارس، وذلك من خلال تحويلات نقدية تكميلية لتغطية تكاليف التعليم العام والمهني، سيستفيد منها نحو 87 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 13و18 عاماً. اضافةً الى تعزيز قدرات وزارة الشؤون الاجتماعية ومراكز التنمية الاجتماعية التابعة لها، وزيادة سبل الحصول على خدمات اجتماعية جيدة للأسر الفقيرة والمهمشة. والأهم من ذلك، سيدعم المشروع أنظمة تقديم مساعدات شبكات الأمان الاجتماعي، بما في ذلك بناء سجل وطني اجتماعي متكامل يكون بمثابة فرصة للمواطنين، للنظر في إدراجهم في واحد أو أكثر من البرامج الاجتماعية على أساس تقييم لاحتياجاتهم وظروفهم المعيشية. وسيعمل المشروع على توسيع مظلة البرنامج الوطني للحكومة اللبنانية لدعم الأسر الأكثر فقراً وتعزيزه، الذي أُطلِق في عام 2011 بدعم مالي وفنّي من البنك الدولي.

 

إضافةً إلى ذلك، سيضمن المشروع نشر التوعية بين عامة الناس ليصبحوا على علم تام بأهداف المشروع والفئات السكانية المستهدفة والمبالغ النقدية المُقرر تحويلها كل شهر. وسيعتمد المشروع آلية فعَّالة لمعالجة المظالم لضمان الإجابة على الاستفسارات وتسوية الشكاوى على وجه السرعة وبكفاءة وشفافية. كما سيتم التعاقد مع جهة مستقلة ثالثة متخصصة بعملية المتابعة والرصد للتحقق من اهلية المستفيدين وللتأكد من وصول التحويلات النقدية إلى المستفيدين النهائيين. كما سيجرى تدقيق في التقارير المالية المرحلية غير المدققة للمشروع التي تتضمن تفصيلاً شاملاً للنفقات. وعلاوةً على ذلك، سيجرى تشكيل فريق استشاري يتألف من خبراء محليين من المؤسسات الأكاديمية ومعاهد البحوث والمجتمع المدني، في مجالات الفقر والسياسات الاجتماعية لتقديم التوجيه إلى اللجنة الفنية للمشروع، ذلك من أجل ضمان المشاركة المتواصلة لأصحاب المصلحة في المشروع. وبالاضافة إلى مشروع شبكة الأمان الإجتماعي، سيقدم كل من الاتحاد الاوروبي والمانيا دعماً اضافياً لنحو 53 الف عائلة، مما يرفع عدد العائلات المستفيدة من التغطية الاجتماعية إلى نحو 200 ألف أسرة، أي ما يعادل 27% من السكان اللبنانيين.

 

الأُسر المؤه٘لة

 

سيتم اختيار المستفيدين من بين المتقدمين بطلبات المساعدات الاجتماعية على منصة كل من “البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً”، و”قاعدة بيانات منصة البلديات المشتركة للتقييم والتنسيق والمتابعة”. وسيستخدم المشروع منهجية استهداف مدمجة تجمع بين اختبار قياس مستوى الدخل الفعلي (Proxy Means Testing) لتحديد الأسر المؤهلة المستفيدة في كل أنحاء الأراضي اللبنانية، وكذلك أسلوب استهداف وفق الفئات الاجتماعية لإعطاء أولوية للفئات المهمّشة. وتتضمن منهجية اختبار قياس مستوى الدخل الفعلي تقييم أهلية الأسرة للاستفادة من المشروع تبعاً لدرجة الفقر لكل أسرة، واستناداً إلى مواردها وخصائصها الديموغرافية التي ترتبط بالفقر. وسيجري تقييم دقيق لكافة المستفيدين قبل إعلان أهليتهم للحصول على المساعدة. وبناء على الخبرة المكتسبة في تنفيذ البرنامج الوطني، سيتم التعاقد مع برنامج الأغذية العالمي لتولي مهمة تنفيذ المساعدات النقدية.

 

وستتولى رئاسة مجلس الوزراء مسؤولية إدارة تنفيذ المشروع من خلال وحدة الإدارة المركزية للبرنامج الوطني، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم العالي، وتحت إشراف اللجنة الوزارية المعنية بمتابعة المواضيع المتعلقة بالشأن الاجتماعي، التي يرأسها رئيس مجلس الوزراء والمسؤولة عن إعداد خطة شاملة للتنمية الاجتماعية في لبنان.

 

العملة المستخدمة

 

صمّم البنك الدولي على ان يتم دفع التحويلات بالدولار الأميركي، كي يتمكن المستفيدون الرئيسيون من الاستفادة قدر الامكان. إلاّ ان الحكومة اللبنانية قررت ان يتلقى المستفيدون التحويلات بالليرة اللبنانية من اجل ضمان توافق المشروع مع البرامج الحكومية والإنسانية الاخرى في البلاد. كما سيضمن المشروع اي زيادة في الاسعار الناتجة عن انخفاض اضافي في سعر الصرف، او عن تعديل موقف الحكومة اللبنانية بشأن العملة المعتمدة في صرف التحويلات النقدية.

 

ضمان الإستمرارية

 

بحسب نماذج المحاكاة التي اجراها البنك الدولي، ستؤدي توسعة انشطة البرنامج إلى تقليص معدل انتشار الفقر المدقع من 21.8% في نموذج محاكاة ما بعد الأزمة لعام 2020 إلى 9.5%، وهو ما يعادل تراجعاً يزيد عن 12 نقطة مئوية في معدل الفقر المدقع. وإذا تمت توسعة الأنشطة على الوجه الأكمل، فإنها ستؤدي إلى تقليص فجوة الفقر من 13.9% إلى 9.2%، وفجوة الفقر المدقع من 5.6% إلى 3.6%.

 

ولكن لن تساهم هذه المساعدات والتحويلات النقدية في تحقيق الاستقرار في البلاد، بل هي تهدف الى التخفيف من آثار الأزمة الإقتصادية على السكان المهمشين والفقراء الذين هم تحت خط الفقر المدقع. ولتحقيق هذا الاستقرار، لا بد من اعادة النظر بهيكلية الإقتصاد اللبناني، أي العمل على تحوله من اقتصاد ريعي الى اقتصاد انتاجي. وإذا أردنا أن نقارن بين الدول النامية والدول المتقدمة نرى أن هذه الأخيرة تتمتع باقتصاد مزدهر ومتطور وبتقدم صناعي وزراعي، أما الدول النامية فهي لا تزال غارقة بالفقر والبطالة والتخلف السياسي. وتحتاج هذه الدول إلى تخطيط لتطوير قطاعاتها الصناعية والزراعية عن طريق تمويل الاستثمارات ودعم القطاع الخاص من قبل الدولة. فيحد هذا الاستثمار من إرتفاع نسبة البطالة وبالتالي يخلق فرص عمل في جميع القطاعات. هذا بالاضافة إلى ضرورة إجراء إصلاحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأنظمة معاشات التقاعد العامة، وتعويضات نهاية الخدمة، ونظام التأمين الصحي.