Site icon IMLebanon

متى يقدّم الاستحقاق الرئاسي «أوراق اعتماده» للخارج؟

 

لم يهتزّ أي من المسؤولين اللبنانيين لمضمون التقرير الذي أصدره البنك الدولي مُستبعداً «تعافي اقتصاد لبنان إذا استمر الشلل السياسي». ولم يعلّق أحد على ترؤس لبنان «مركز الأسوأ» ضمن مجموعة الدول التي انحدر إلى خانتها، وتضم زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال. وهو ما قد يؤدي الى استفزاز «اصدقاء لبنان» قبل «اركان المنظومة» الغارقين في اتون البحث عن الرئيس المفقود والامعان في كل ما يؤدي الى مزيد من الانحلال.
وعليه، ما الذي يعنيه ذلك؟

لم يثبت حتى اليوم انّ أياً من المسؤولين اللبنانيين قد اعار التقارير التي تعدها المؤسسات الدولية المكلفة تصنيف الدول والشركات العابرة للقارات حول الوضع في لبنان. وإن لم ينجحوا في حفظها في اعمق الادراج او اسفلها لحجبها عن اللبنانيين، فقد استطاعوا اكثر من مرة وأصرّوا على تلبيسها «رداء المؤامرة» إن لم يضعوها تارة في خانة «العدو الصهيوني» وأخرى من صنع «الشيطان الاكبر» الذي يتربّص بلبنان شراً. فهم منشغلون في البحث عن الامتيازات وتقاسم الحصص والمواقع الكبرى والدسمة الى اجل غير مسمّى غير عابئين بنتائج سياساتهم العمياء التي قادت البلاد الى ما نحن فيه اليوم.

على هذه القاعدة لن تتبدّل النظرة الى مضمون التقرير الأخير للبنك الدولي الذي صدر قبل ايام، فليس من مصلحة احد منهم وهو يبحث عن الرئيس الذي يخدم هذه المجموعة او تلك من دون احتساب الحاجة الى مَن يعيد ترميم الدولة ومؤسساتها التي تفككت بما فيه الكفاية وعجزت عن تقديم أبسط خدماتها الى مواطنيها والمقيمين على أرضها وكذلك عجزت عن اعادة بناء مما فقد من ثقة مع العالمين العربي والغربي تحت شعارات الممانعة والرفض للاملاءات الخارجية.

وعلى هامش هذه المؤشرات الخطيرة التي وضعَتها المؤسسات الدولية على طاولاتها لقراءة النتائج المترتبة عليها، يتفرّغ المسؤولون لنصب المكائد التي عزّزت فقدان السلطات الدستورية مهماتها التنفيذية والتشريعية وتعطيل القضاء في الملفات الخطيرة والإمعان في فقدان مقومات الحياة اليومية على وقع مجموعة من الإنتصارات الوهمية التي تباهوا بها طوال الفترة الاخيرة حتى تلك التي أدّت الى تعطيل العمل الحكومي وشلّه. والإدعاء بقدرتهم الخارقة على منع حكومة تصريف الاعمال من القيام بالضروري مما انتقل إليها من صلاحيات الرئيس. وجاء ذلك ليزيد في الطين بلة، بعد تعطيل كل المبادرات التي أطلقت لانتخاب الرئيس الخلف قبل خلو سدة الرئاسة من شاغلها، خصوصاً انها كلها محطات اعقبت ممارسات أمعَن اصحابها بالتغني بما أنجز، وصولاً الى التباهي بحفظ ثروة لبنان النفطية والغازية وحمايتها في مقابل تقديم «صك البراءة» للعدو الاسرائيلي للانطلاق مطمئناً بتسويق غازه ونفطه من دون اي عائق قانوني دولي وأممي.

على هذه الخلفيات، قرأت المراجع السياسية والاقتصادية مضمون التقرير الأخير للبنك الدولي الذي يتوقّف عند مجموعة المؤشرات الاقتصادية والمالية الخطيرة ونسب الفشل في معالجتها ومواجهة آثارها السلبية الى «استمرار حالة الشلل السياسي» في البلاد. والتردّد لا بل التمنّع عن تنفيذ الاصلاحات المطلوبة منذ سنوات عدة من خلال «وَضع وتنفيذ استراتيجية للتعافي الاقتصادي والمالي». وهو ما أدى بلا أيّ عناء الى «ارتفاع المخاطر الاقتصادية للبلاد في ظل حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة طويلة، ما يؤكد ضرورة المضي قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار النهوض».

ولذلك، فقد لفتت المراجع عينها الى انّ خطورة ما جاء به التقرير يتوقّف عند نزعه وإسقاطه كل التوقعات اللبنانية التي ترقبها مصرف لبنان بـ»تحقيق نمو إيجابي للناتج المحلي بنسبة 2 في المئة هذا العام»، ليستخلص بطريقة حازمة «استمرار انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 في المئة في العام الحالي» وصولاً الى تأكيده انّ «عمق الأزمة واستمرارها يقوّضان قدرة لبنان على النمو»، واستنفاد ما بات في حوزة لبنان من «رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذّر إصلاحه».

والأخطر في ما يقود إليه التقرير ان يتحدث عن الفشل السياسي في مقاربة الاستحقاقات الدستورية بعد الإقتصادية والمالية والنقدية وصولاً الى الاجتماعية منها والصحية والتربوية، ليحمّل من أداروا البلاد مسؤولية العجز المتمادي عن تلبية مطالب المجتمع الدولي خصوصاً الدول والمؤسسات المانحة التي عبّرت عن النية بمساعدة لبنان على تجاوز مجموعة المخاطر المحيطة به بما يوازي نجاح مسؤوليه في اتخاذ بعض القرارات السيادية التي لا يمكن لأحد اتخاذها من دون ان يسخّروا مهماتهم ومواقعهم من أجل تنفيذها. وكلها خطوات رسمَت بدقّة منذ ان انطلقت مجموعة المبادرات الدولية التي أعقبت نشوء الأزمة الناجمة من جائحة «كورونا» وتداعياتها الصحية والبيئية قبل ان يزيد عليها تفجير المرفأ في 4 آب 2020 أكبر النكبات التي حلّت باللبنانيين المُنهكين نتيجة النزوح السوري الذي استحوذ على ثلث مقدّرات البلاد من خدمات وبنى تحتية، إلى ان زالت وغابت من مساحة البلاد كافة.

وانطلاقاً مما تقدّم، تضيف المراجع عينها، ان العجز في مقاربة استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية والتماهي في ترك الازمات المالية والإقتصادية في التمادي وشل العمل الحكومي ووضع صلاحيات السلطة التشريعية على طاولة البحث في صوابية أدائها الى فقدان أي اعتراف دولي بلبنان ومؤسساته قياساً على غياب معظمها مع ما زاد من تردّداتها السلبية نتيجة إضراب السلطة القضائية وشَلّها تماماً، الى مزيد من المعوقات التي يمكن ان تؤدي الى مرحلة يصعب من خلالها ترميم وإصلاح ما حدث وهو ما «يعمّق محنة الشعب اللبناني»، كما استنتج التقرير.

ولذلك كله، فإنّ اي توجّه الى المجتمع الدولي لطلب المساعدة والدعم السياسي والمادي بات امرا صعبا جدا ان لم يكن تحوّل طلباً مستحيلاً. فما هو مُعلن من مبادرات لم ولن يتجاوز في المدى المنظور الدعم الانساني والصحي والنفطي المحدود لساعات محدودة من الطاقة الكهربائية. فالعالم مشغول بأزمات تعني شعوبه اكثر من قدرته على رعاية أوضاع اللبنانيين. فالازمة الاوكرانية شلت الدول الأوروبية ورفعت العقوبات على النفط والغاز الروسي من مسؤوليتها في توفير الحد الادنى من حاجات اقتصادها وشعوبها. وجاء الإنجاز الذي تحقق في شأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل لحلّ نسبة من حجم أزماتهم من دون ان يجني لبنان منه سوى الترقّب لـ»الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير المؤكَّدة، والتي يحتاج تحقيقها الى سنوات»، كما قال تقرير البنك عينه.

وتنتهي المراجع عينها الى التأكيد أن اي حلم بمساعدة خارجية بات بعيد المنال، وان الرهان على مجموعة القمم الدولية والاقليمية أثبتَ عقمه منذ ان انتظر الجميع نتائج اللقاءات الفرنسية والأميركية والسعودية كما تلك التي كانت منتظرة من دول صديقة، فأوراق اعتماد لبنان لم تعد مقبولة في أي ناد دولي او اقليمي حتى اشعار آخر، ومَن يعتقد انّ الحل يمكن ان يتكوّن بفِعل معجزة مستبعدة قد يؤدي الى ما يقول به القول المأثور «طالِب الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه».