عالم بلا أخلاق، وسياسة بلا أخلاق، قد نكون نعيش ذروة الأزمة في وصول السياسة العالمية إلى الحضيض وتجرّدها من الإنسانية ومن المنظومات الأخلاقية أو الضمير الذي لم يتبقّى منه ذرّة، بالأمس صرّح فلاديمير بوتين بأن لا دليل على استخدام نظام بشار الأسد للسلاح الكيماوي، من السخرية بمكان أن نكون سمعنا من رؤساء كثر تهديدات بأن بلادهم ستتدخل ضدّ أنظمة قتل وأجرت تحقيقات أكدت نتائج حوادث قتل بأسلحة محرّمة ومع هذا غضّ العالم الطّرف عن هذه الجرائم، لم يعد مهمّاً اسم أنظمة القتل سواءً كانت إسرائيل أم صدّام حسين أم إيران أم نظام بشّار الأسد أم النظام الروسي أم الراوندي أم نظام كوريا الشماليّة، الاسم ليس مهمّاً بقدر أهميّة سقوط كلّ العناوين البحثيّة والتنظيريّة للحديث عن أخلاق السياسة أو السياسة والأخلاق أو جدلية العلاقة بين الأخلاق والسياسة، أو الأخلاق والسياسة وفلسفة الحكم، سقطت كلّ هذه العناوين على عتبة انعدام أي ضابط أخلاق يحكم السياسات في العالم!
«إذا اتحد الأشرار فعلى الأخيار أن يتحدوا وإلا سقطوا ضحية لهم شاؤوا ذلك أم أبوا» [الفيلسوف الإيرلندي إدموند بيرك].
كيف تلفتت قراءاتك في واقع ثورات العالم المريرة خصوصاً في العالم العربي ستجد أدموند بيرك يقفز من بين سطور المحللين والباحثين، «التخلّف المعرفي العربي» يبحث عن نتائج مستقبلية لثوراته في القرن الثامن عشر بين صفحات المنظّر السياسي بيرك الذي بعد الثورة الفرنسية، وضع كتابه «تأملات في الثورة الفرنسية» كتب عن الدوغماتيك، فأحدث ضجة فى أوروبا، ولا أعرف عمّا يبحث «المحللون» في مصر وتونس وسواهما في تأملات بيرك في زمن بشّار الأسد و»داعش» والخامنئي، وما إذا كانوا سيعثرون على أثر للتيارات الدينية المتطرفة التي تطلّ برأسها من شقوق الجهل والفقر عندما يمتطيا صهوة الدين؟!
ولا أظنّ أن تعريف المجتمع اختلف كثيراً عمّا قاله بيرك في تعريفه للمجتمع الطبيعي بأنه: «مجتمع أساسه الرغبات والغرائز الفطرية لا أي نظام وضعي… فتطور القوانين كان انحطاطاً… وما التاريخ إلا سجلاً للمجازر والغدر والحرب، والمجتمع السياسي متهم بحق بأكبر قسط من هذا الدمار… وكل الحكومات تتبع المبادئ المكيافيلية، وترفض كل الضوابط الأخلاقية، وتعطي المواطنين مثالاً مفسداً للجشع والخديعة واللصوصية والقتل. والديموقراطية في أثينا وروما لم تأتِ بعلاج لشرور الحكم، لأنها سرعان ما انقلبت ديكتاتورية بفضل قدرة زعماء الدهماء على الظفر بإعجاب الأغلبيات الساذجة… أما القانون فهو الظلم مقنناً، فهو يحمي الأغنياء المتبطلين من الفقراء المستغلين».
يقول بيرك: «هناك علاقة شراكة ليس بين الأحياء فحسب، ولكن بين الأحياء والأموات والذين سيُولدون أيضاً»، القتل مسار طويل ومستمرّ للبشريّة، ليس عبثاً القول بأنّ القتل أصبح روتيناً يوميّاً، وبحسب أحد الباحثين المعاصرين فإنّ أربع مناظرات كبرى أجريت في هذا القرن والمشاركين فيها كانوا من القرن الثامن عشر ومن القرن العشرين، وهما إدموند بيرك المهموم بالثورة الفرنسية وتوماس بين المهموم بالثورة الأميركيّة، في كتابه «حقوق الانسان» (1791) يحاول توماس بين الحفر فى التاريخ حتى يصل إلى الحال الطبيعية التى كان عليها الانسان قبل تأسيس المجتمع حيث كان مجرد فرد بلا علاقات اجتماعية. ولم يتأسس المجتمع بعد ذلك إلا عندما شعر البشر بأنهم فى حاجة إليه لمواجهة الضرورات مع الرغبة فى العيش مع الآخرين. بل لم تتأسس الحكومة فوق المجتمع إلا من أجل انقاذ البشر من تفشي الشرور، هذه نظريّةٌ من القرن الثامن عشر كشف القرنين التاليين عليها أنّها مجرّد نظريّة لأنّ العالم وحكوماته غارقون في دماء الشعوب والتآمر عليها وقتلها وأن هذا العالم سيبقى يئنّ تحت وطأة جريان هذه الدماء بحروب عالمية دفعة واحدة أو بالتقسيط كالتي اغرقتنا تسعينات القرن الماضي وما تزال.