كل محبٍّ، كل مَنْ يعرفها حق المعرفة، لا بدّ أن يسارع إلى القول إن فرنسا لا تستحقّ هذه الضربة. وبأيدي “مواطنين” يحملون جنسيتها، وينعمون بكل الحقوق التي يحصل عليها أعرق الفرنسيّين.
لكن الارهاب أعمى القلب والضمير. وما تتلقّاه منه دول المنطقة وشعوبها منذ أعوام خير دليل على أنّ الارهابي لا يتورّع، ولا يتردّد في الإقدام على أفظع مما خصّ به مجلّة “شارلي إيبدو”.
ولبنان خير شاهد على المدى الذي يمكن الارهابيّين ومحرّضيهم بلوغه. وبالجملة لا المفرّق.
من هذه الزاوية، ولأسباب كثيرة وعميقة الجذور، لا يستطيع اللبنانيّون، إلا أن يتعاطفوا ويتضامنوا مع الأم الحنون في محنتها القاسية، ولطالما كانت باريس أول الواصلين إلى بيروت عَبْر الموفدين والاتصالات على أعلى المستويات، حاملة إلى لبنان وشعبه كل الدعم والتأييد والتضامن.
لا تستحق فرنسا، الحريصة على الحريات والحقوق الانسانية والمتشبّثة بالديموقراطية والمساواة، أن تُضرب من مواطنيها.
إلا أن الارهاب لا يعترف لا بالحقوق ولا بالواجبات، ولا يدع أيّ مجال للارهابي كي يفكّر لحظة في كون ما يُقدم عليه ويفعله إنما هو ضدّ وطنه وضدّ مواطنيه.
وهنا تكمن خطورة هذه “اللعبة الجهنميّة” التي انتشرت حديثاً على نطاق العالم العربي، وقبله بلغت أميركا يوم كانت في عزّ مجدها في زمن الرئيس جورج دبليو بوش.
كما عرّجت على لندن، وقفزت صوب موسكو، ولا تزال تتجوّل وتفظّع في بعض الدول الآسيوية والعربيّة.
والواقع أن أوروبا انخضّت بكل عواصمها، سواء لجهة المفاجأة التي استهدفت فرنسا وصبغت موقع “شارلي إيبدو” باللون الأحمر، أم لجهة بلوغ الارهاب هذه القارة التي تُعتبر اليوم مختلطة ومتعدّدة الانتماء. وربما بدأت تُعيد النظر في حساباتها، وتعدّ العدّة لـ”زيارات” من النوع الذي هزّ استقرار فرنسا وأمنها في لحظة لم تخطر في البال ولا في الحسبان.
ومَنْ يقرأ الصحف الأوروبيّة، ويتابع التحليلات والآراء عبر المرئي والمسموع والمكتوب، يكتشف أن العمليّة الارهابيّة التي حلّت بباريس لا تختلف عن أيّ إنذار مباشر لكل من يتصدّى أو يشارك في مواجهة “الزحف الارهابي”، سواء أكان داخل المنطقة العربية أم داخل القارة الأوروبية، وما أبعد منها.
“الموند” الفرنسية اعتبرت الحادث الارهابي بمثابة “الحادي عشر من أيلول الفرنسي”. ودعت الى محاربة الكراهية، و”تفادي التسبب بحرب دينيّة”. أما “ليبراسيون” فقد رأت “أن الفرنسيين جميعهم في حال مقاومة ضد الايديولوجيات التي تزرع التطرّف الديني والعنصري”.
انها بداية مرحلة مختلفة ومتفجّرة