Site icon IMLebanon

العالم يضجّ بأخبار التحرُّش ولبنان يتفرَّج

 

ما إنْ بدأت الاتّهامات بالتحرّش والاغتصاب والاعتداءات الجنسية ضدّ المنتِج الأميركي الأكثر نفوذاً في هوليوود هارفي واينستين حتّى راحت تكبر ككرةِ الثلج فجَرَفته وجَرفت معه أسماءَ رجال بارزين في مراكز السلطة إنْ في السياسة أو في مجال الترفيه.

منذ أسابيع ويستمع العالم يومياً لشهادات جديدة تُدليها نساء، منهنّ ألمع شهيرات العالم مِثل غوينيث بالترو وأنجلينا جولي. هنّ روَين أحداثَ تحرُّش واينستين وغيره من الرجال النافذين بهنّ.

قصصٌ تُبصر الأضواء الإعلامية للمرّة الأولى كتمَتها بطلاتها بوجعٍ وحسرة لسنوات خوفاً من مواجهة المجتمع أو مِن أن يهدّد هؤلاء المتحرّشون المجرمون الجالسون على الكراسي الجلدية في أفخم المكاتب مسيرتهنّ المهنية.

مسيرةٌ تبنيها النساء بصعوبة وسط ذكور متسلّطين أحكَموا قبضتهم على مراكز القرار وهُم جاهزون لينهشوا نجاحات كلّ امرأة تفتح فاها لتدليَ بأيّ خبر ضدّهم فيدمّرونها ويُقصونها من العمل إنْ تفوَّهت بكلمة أو عصَت أوامرهم، كما سبقَ وحاوَلوا نهشَ جسدِها باعتداءات جنسية مقزِّزة متسلّحين بنفوذهم الهائل.

إيفانكا ترفع الصوت

بدورها أطلّت إيفانكا ترامب من اليابان لتُندّد بظاهرة التحرّش بالنساء، مشدّدةً على أنه «ينبغي عدمُ السماح بها بتاتاً». وأكّدت إيفانكا خلال مؤتمر الجمعية العالمية للنساء في طوكيو أنّ «ثقافة أماكن العمل لا تَحترم النساءَ كما يجب».

لِترامب فضائح أيضاً

وفي حين تحتلّ مسألة التحرّش الجنسي بالنساء صدارةَ الأخبار في العالم، تعود إلى الذاكرة الجماعية الفضائحُ التي طاردت دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، ومنها كلامٌ يكشف تباهيَه بسلوكه غير المناسب حيال النساء.

ولكن يبدو أنّ دونالد ترامب نفسَه أعاد حساباته أمام هول فضيحة واينستين، إذ تنقلُ ابنتُه أنّه «يؤكّد التزامَه القويّ حقوقَ المرأة» موضحاً أنّه «عندما ستُحقّق النساء قدراتهنّ كاملةً سيُحَلّ عندهن الكثيرُ من المشكلات العالمية».

متى تُحرّك فضائحُ التحرّش نوّابَنا؟

وبينما اضطرّ وزير الدفاع البريطاني بدوره إلى الاستقالة هذا الأسبوع بسبب فضائح تحرّشٍ جنسيّ طالت برلمان البلاد، ينام البرلمان اللبناني على حرير تأجيل إقرار مشروع قانون يحَمي النساء من التحرّش في الأماكن العامة.

التحرّش بالنساء في مجتمعنا لا يَنقص بل يغزو عدداً كبيراً من المؤسسات. صحيح أنّ الإحصاءات الرسمية شِبه غائبة في هذا المجال ولكنّ الأخبار المتداوَلة همساً حول مَن تعرّضَت للتحرّش ومَن عرَض عليها مديرُها التقدّم في العمل مقابل تقديمها خدمات جنسية، له لا تنقص.

ويعرف القاصي والداني أنّ من لا ترضخ لا تتقدّم وتعاني شتّى أنواع الابتزاز والعنف من فورات غضبِ المدير المُتحرّش وصراخِه وتضييقِه عليها مهنياً وتصعيبِ دواماتها وعدمِ تقديم الترقيات لها واستغلالِها مهنياً حتّى تضيق ذرعاً ويأساً وتُغادر منصبَها في بلدٍ تستشري فيه البطالة.

وإلى من تشتكي الضحية أصلاً في ظلّ غياب أيّ إطارٍ قانوني في هذا المجال، ما يشجّع المجرم على الإمعان بفِعلته ويُخيف الضحية، بينما المطلوب قانون يُخيف المجرم ويَحمي الضحية.

القانون خطوة إلى الأمام

نظراً إلى تجارب أكثر دولِ العالم تقدُّماً نعرف أنّ وجود القانون وحدَه لا يحلّ المشكلة ولا يَحمي النساء من التحرّش، بل المفروض كسرُهنّ الصمتَ والإبلاغ عن المتحرّش.

ففي الولايات المتحدة قانونٌ يَحمي هؤلاء النساء من التحرّش، إلّا أنّهن وعلى رغمِ شهرتِهنّ العالمية لم يتجرّأن على التفوّهِ بكلمة ضدّ المتحرّش قبل تحقيقٍ نشرَته الصحافة يروي الأفعالَ المشينة للمنتج وانستين، وعندما «وقعت البقرة كِتروا سلّاخينا».

علماً أنّ تجرُّؤَ إحدى الضحايا على كسر جدار «العيب» والتستّر منذ زمن كانَ سيَحميها ويوقف معاناة غيرها ويضعُ حدّاً للوحش الهائج. ولكن يبدو أنّ الضحايا أرهبَهنَّ نفوذ الوحش فلم يتجرّأن حتى على الوشاية به على رغم وجود القانون.

وهنا نسأل: ما هو حال اللبنانيات إذاً في ظلّ غياب القانون الحامي؟ وكم مِن ضحية صامتة تدفَع أثماناً مهنية ونفسية وحتّى جسدية؟ إنّ إرساء قانون يحمي النساء من التحرّش في الأماكن العامة وأماكن العمل يضع إطاراً يسمح للمرأة بالتشكّي أقلّه، ويبدأ بإرساء ثقافةِ ضرورةِ كسرِ الصمت وعدمِ الخوف من المجرم.