على رغم التفاؤل الذي يبديه كثيرون إزاء انطلاقة عهد الرئيس ميشال عون وحكومته، فإنّ كثيرين ينظرون إلى المستقبل بعيون غائمة، تبعاً للتطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة، والتي يُخشى أن تكون لها انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على لبنان والمنطقة عموماً.
داخلياً يدور كلام متناقض على مصير الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل قانوناً وإجراءً، ويتزامن هذا الكلام مع صمتٍ ديبلوماسي لافت، حيث بات يَندر صدور ايّ موقف لسفير عربي او أجنبي ينادي بضرورة إجراء الانتخابات في مواعيدها، إذ غالباً ما كان سفراء، ولا سيّما الغربيين منهم، يصمّون آذان اللبنانيين بكرةً وأصيلاً منادين باحترام الاصول الديموقراطية وإجراء الاستحقاقات الانتخابية والدستورية في مواعيدها وعدم الدخول في شغور او تمديد في هذا الموقع الدستوري او ذاك.
وفي الموازاة، هناك كلام متناقض في الاوساط السياسية حول مصير الاستحقاق النيابي، بين قائل بإجرائه في موعده، وبـ«الموجود»، اي على اساس قانون الستين النافذ، لاستحالة الاتفاق على قانون جديد، تظهره المواقف المتعارضة إزاء مشاريع القوانين الانتخابية المطروحة والمتراوحة بين قوانين تعتمد النظام النسبي كلياً، وقوانين مختلطة بين النظامين النسبي والاكثري، وثالثة تنادي سرّاً وعلناً بإبقاء القديم على قدمه، اي إجراء الانتخابات على اساس قانون الستين النافذ بذريعة استحالة التوافق على قانون بديل في هذه العجالة، حيث تَقترب المهل الانتخابية من الاستحقاق.
لكنّ البعض يعتقد انّ سمةَ الانتظار هي الطاغية على الجميع داخلياً وخارجياً، إذ إنّ كثيرين يحجمون عن القيام بأيّ خطوات او مبادرات الى حين دخول الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب «البيت الابيض» في 20 الجاري خلفاً للرئيس باراك اوباما، ومعرفة توجهاته على مستوى التعاطي مع قضايا المنطقة والعالم، وما إذا كان سينفّذ ما كان قد اعلنَه من التزامات ومواقف إزاء هذه القضية الإقليمية أو تلك.
المتفائلون بعهد ترامب يبنون تفاؤلهم على موقفه «الإيجابي» من روسيا وإقراره بضرورة التعاون معها لمكافحة الإرهاب المتمثل بـ«داعش» وأخواتها، الذي يضرب المنطقة والعالم، ما قد يؤسس الى تسويات سياسية للأزمات الاقليمية على انقاض القوى الارهابية التي تَحول دون التوصل الى هذه التسويات.
أمّا المتشائمون فإنّهم يبدون مخاوفَ كثيرة وحذراً شديداً من سياسة ترامب التي يبدو أنّها تستهدف إنهاءَ مفاعيل السياسة الأوبامية بشقَّيها الداخلي الاميركي والخارجي، فداخلياً سيلغي ترامب على الأرجح برنامج «أوباماكير»، وخارجياً يبدو أنها قد تتحلّل من الاتفاق النووي مع إيران.
في الوقت الذي سينقل مقرّ السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس منحازاً إلى الموقف الاسرائيلي الذي يريد القدس «عاصمةً أبدية لإسرائيل».
ويعتقد هؤلاء انّ ترامب بهذه السياسة سيعيد تسخينَ الاوضاع في لبنان والمنطقة، خصوصاً أنّ هناك معلومات نَقلها بعض زوار واشنطن وتتحدّث عن قانون جديد أعدّه الكونغرس الاميركي ضد حزب الله.
ويشير هؤلاء المتشائمون الى أنّ وقفَ إطلاقِ النار في سوريا، لم يرتح له الاسرائيليون الذين بدأوا يخططون فعلياً لحرب جديدة ضد لبنان، لاعتقادهم انّ وقف النارِ في سوريا سيعيد مقاتلي حزب الله الى لبنان بأكثر قوّة وفعالية. فيما الاسرائيليون يريدون للحزب ان يبقى منغمساً في الحرب الدائرة في سوريا.
علماً انّ بعض السياسيين المتابعين للأوضاع في لبنان والمنطقة يخشون فعلاً من ان يؤدي وقف النار في سوريا الى إقدام اسرائيل على شنّ حرب جديدة ضد لبنان.
ويقول هؤلاء إنّ ترامب في حال إقدامه فعلاً على إلغاء الاتفاق النووي الموقّع بين ايران والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية فإنّ هذه الخطوة التي ترفضها طهران بشدة ستؤدي الى تصعيد التوتر السائد أصلاً في المنطقة، بفعل الأزمات السائدة من سوريا الى العراق واليمن والبحرين.
علماً أنّ ما يثير المخاوف في هذا المجال هو حديثٌ ينطق به الاميركيون وبعض الدول الغربية للمرّة الاولى والمتلخّص بسؤال يطرحه بعضهم هو: هل إنّ حماية دول الخليج وثرواتها النفطية ما تزال اولوية، بعدما كان حماية الممرّ الخليجي المائي لناقلات النفط أمراً حيوياً لا تهاونَ فيه؟
ويتزامن هذا السؤال أيضاً مع صفقات عقَدها بعض دول الخليج لشراء الاسلحة وتصل قيمتها الى 40 مليار دولار، وتدلّ نوعية هذه الاسلحة المشتراة الى انّها للاستخدام في حرب طويلة، إذ اشترَت دولة قطر 78 طائرة من طراز «اف – 15» مع ذخائر من صواريخ وقنابل وغيرها وقطع غيار عبارة عن محرّكين اضافيَين لكلّ طائرة، حيث إنّ محرّك هذه الطائرة ينبغي تبديله بعد خدمته لمدة 1500 ساعة طيران. كذلك اشترت دولة الكويت 24 طائرة من طراز «اف – 18» مع ذخائرها من صواريخ وقنابل وقطع غيار ومحرّكات احتياطية.
وإلى ذلك فإنّ الانظار تشخص الى تركيا التي بدأ الارهاب يقضّ مضاجعها بقوة في ظلّ تساؤلات عن أهدافه ونيّاته والخلفيات التي ينطوي عليها في ضوء التقدّم المطّرِد في العلاقات التركية ـ الروسية وبين المثلث الروسي ـ الإيراني ـ التركي الذي أنجَز وقف النار في سوريا وأسّس لمفاوضات سلام سورية ـ سورية ستنعقد في أستانة عاصمة كازاخستان، وذلك بمعزل عن الولايات المتحدة الاميركية، في الوقت الذي تتخوّف القيادة التركية من وجود أصابع غربية تعمل لتقويض نظام حزب «العدالة والتنمية» الحاكم برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك منذ الإطاحة بالانقلاب الذي حصَل في تموز الماضي.