IMLebanon

الأسوأ ينتظرنا في «الحرب المناخية»

درجات الحرارة غير المسبوقة هذا الصيف، كانت مدار أحاديث الناس في العديد من أرجاء العالم العربي، وهو أمر بات يتكرر بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة، ويجب أن يكون مدعاة للقلق، لأن العلماء يحذروننا بأن الأسوأ قادم في «الحرب المناخية» المخيفة التي يواجهها العالم. من الجزائر إلى الكويت، ومن لبنان إلى الإمارات، ومن السودان ومصر إلى السعودية والعراق، سجلت معدلات الحرارة درجات غير مسبوقة، تراوحت ما بين 41 وأكثر من 50 درجة مئوية أحياناً، لتعيد تذكيرنا مجدداً بما يحذر منه العلماء وخبراء البيئة من أن كوكب الأرض يسخن بمعدلات غير مسبوقة وبشكل متواصل، مما سيؤدي إلى كوارث غير مسبوقة أيضا بكل ما يعنيه ذلك للبشرية.

وسائل التواصل الاجتماعي حفلت بالكثير من مقاطع الفيديو التي تسجل ارتفاع درجات الحرارة وتأثيراته، مثل فيديو الشاحنة التي انغرست عجلاتها في الإسفلت الذي فقد تماسكه وبدأ الذوبان بفعل الحر، إلى الفيديوهات التي نقلت جانباً من معاناة الناس مع الحر الشديد والعطش خلال شهر رمضان الفائت. الكويت منذ العام الماضي كسرت الأرقام القياسية العالمية وسجلت 54 درجة مئوية، مما اعتبر أعلى درجة حرارة تسجل في الأرض منذ بدء السجلات لمقاييس الحرارة. وهناك من يقول إن درجات الحرارة في بعض المناطق الصحراوية اقتربت من 60 درجة مئوية في بعض الأيام.

ارتفاع درجات الحرارة ليس الخطر الوحيد الناجم عن التغيرات المناخية، فهناك الارتفاع المستمر في مناسيب مياه البحار والمحيطات الذي يهدد وفقاً للعلماء الكثير من المدن الساحلية حول العالم، علماً بأن اليابسة تمثل 29 في المائة فقط من كوكب الأرض، بينما 71 في المائة عبارة عن مياه المحيطات والبحار والأنهار. أضف إلى ذلك تزايد قوة الأعاصير ونسب الأمطار في بعض أجزاء الكرة الأرضية، مقابل الجفاف وتمدد الصحاري في أجزاء أخرى.

إعصار هارفي الذي ضرب ولاية تكساس الأميركية بعنف هذا الأسبوع، وامتد أمس إلى ولاية لويزيانا، كان مثالاً صارخاً على التأثيرات غير المسبوقة والنتائج الكارثية لتغيرات المناخ، مثلما كان رسالة لأولئك الذين يغالطون العلماء ويرفضون تصديق تحذيراتهم بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري مثل الرئيس دونالد ترمب الذي فجع العالم في يونيو (حزيران) الماضي بإعلانه الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ. فالإعصار الذي ضرب البر الأميركي في تكساس ابتداء من الجمعة الماضي، اعتبر الأكبر من نوعه في تاريخ أميركا من حيث غزارة الأمطار والسيول التي رافقته. أكثر من 500 ألف منزل تضررت من مياه الفيضانات التي حدثت بفعل الأمطار الغزيرة المتواصلة لخمسة أيام، واضطر آلاف السكان إلى مغادرة منازلهم التي غمرتها المياه، إلى الملاجئ التي فتحتها سلطات الولاية. ويتوقع أن تكون نسبة كبيرة من المنازل في المناطق التي غمرتها المياه غير صالحة للسكن لبضعة أشهر، في انتظار أن تجف قبل أن تبدأ عمليات الترميم والإصلاح. لذلك فإن حجم الخسائر التي ستتكبدها السلطات وشركات التأمين قد يصل وفقاً للتقديرات إلى نحو 20 مليار دولار، لا سيما أن الكثير من الطرق ومنشآت البنية التحتية تحتاج إلى ترميم أيضاً.

المفارقة أن العلماء الأميركيين الذين شاركوا في وضع تقرير عن حال المناخ من المقرر أن يصدر رسمياً في أواخر العام الحالي، وجهوا تحذيراً قوياً لإدارة ترمب من النتائج الكارثية المتوقعة من التغيرات المناخية، وأعرب عدد منهم عن مخاوفه من أن تدفن الإدارة الأميركية الحالية نتائج تقريرهم. هكذا تسربت نسخة من التقرير إلى صحيفة نيويورك تايمز التي أفردت مساحة كبيرة لتناول بعض ما ورد فيه مثل التحذير الصارم بشأن ارتفاع نشاط الأعاصير في منطقة شمال الأطلسي بشكل مضطرد منذ سبعينات القرن الماضي. فقد توقع العلماء في تقريرهم أن تكون الأعاصير التي ستضرب أميركا في الفترات المقبلة أعنف، وأمطارها أغزر، وأضرارها أكبر.

وعلى الرغم من أن التوقعات بشأن الأعاصير تبقى موضع جدل، لأن توثيق الظاهرة لم يبدأ إلا في عام 1900 وبشكل متقطع، فإن العلماء يبدون أكثر وضوحاً وربما اتفاقاً في تحذيراتهم بشأن النتائج الوخيمة التي ستنجم عن الارتفاع المتواصل في درجات حرارة الأرض بسبب الاحتباس الحراري. ذلك أن العلماء يستندون في دراساتهم في هذا المجال إلى مقارنة سجلات توثيق درجات الحرارة التي انتظمت منذ عام 1870، كما يستفيدون من التطور الهائل في التقنيات، ومن رصد ما يحدث أمامنا منذ سنوات من انفصال كتل ثلجية هائلة من القطب الشمالي وذوبانها تدريجياً بفعل ارتفاع حرارة الأرض.

التسخين الحراري ظاهرة ترتبط في جانب كبير منها بتصرفات البشر، وإهمال حكومات، وأنانية دول. صحيح أن هناك عوامل طبيعية تسهم أيضاً في التغيرات المناخية، لكن التدمير البشري لعب دوراً كبيراً بلا شك في الاحتباس الحراري. وما لم يتحد العالم ويتحرك بجدية وفاعلية، فإننا سنواجه ما هو أسوأ بكثير من حر هذا الصيف، أو من إعصار هارفي.