المشكلة في سوريا والعراق أكبر من خطر الارهاب ودولة الخلافة الداعشية. والحل أبعد من نجاح التحالف الذي تقوده أميركا والتحالف الذي تقوده روسيا في الحرب على داعش وبقية التنظيمات الارهابية التكفيرية. ما يهمّ العالم هو حماية نفسه من العمليات الارهابية. وما يهدّد العالم العربي، الى جانب الارهاب وقمع الأنظمة وموت السياسة، هو ارتفاع المدّ المتطرّف الذي يركّز على إلغاء العقل. فلا شيء يتقدم على ثقافة القتل لدى التنظيمات المتشدّدة. ولا قراءة في التراث الثقافي التاريخي والكنوز الأثرية إلاّ بالمطارق وكل آلات التكسير والهدم. أما الرد في الغرب الأميركي والأوروبي على الارهاب واللاجئين والعولمة، فان مختصره عنوان كتاب جديد للبروفسور في جامعة كولومبيا مارك ليلا: حطام العقل: عن الرجعية السياسية.
والصورة كما يراها المفكر السياسي المعروف، هي: الرجعيون في مسار الى الأمام: بيض غاضبون، وطنيون أوروبيون، اسلاميون راديكاليون، يساريون ضدّ العولمة. والقاسم المشترك بينهم هو الاحتجاج على خيانة النخبة للعصر الذهبي عندما كانت الناس تعرف مكانها وتعيش في سلام. ومن يسمّيهم ليلا رجعيين ليسوا محافظين بل هم بشكل ما راديكاليون مثل الثوريين ومتمسكون بالتخيلات التاريخية ويؤمنون بأن الذين حافظوا على ذاكرتهم عن الطرق القديمة هم وحدهم يرون ما حدث.
هذا ما حدث في أميركا وقاد الى فوز دونالد ترامب بالرئاسة. وهذا ما كاد ان يحدث في النمسا التي تخلّصت وخلّصت أوروبا من كابوس بسقوط مرشح حزب الحرية اليميني المتطرّف نوربرت هوفر وفوز منافسه المستقل المدعوم من الخضر ألكسندر فان در بلين بالرئاسة. وهذا ما يتخوّف الفرنسيون من حدوثه في الانتخابات الرئاسية المقبلة المرشحة لأن تدور بين مرشح اليمين المحافظ فرنسوا فيون ومرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبن. وهذا ما حدث يوم الأحد في ايطاليا.
ذلك أن موجات اليسار الشعبوي في حركة خمسة نجوم بقيادة المهرّج الكوميدي بيبي غريللو واليمين الشعبوي بقيادة العصبة الشمالية وبقية شعبوية رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني أسقطت لائحة اصلاحات دستورية ملحة طلبها رئيس الوزراء من الحزب الديمقراطي ماتيو رينزي بقول لا كاسحة في استفتاء شعبي. رينزي ربط مصيره ومصير حكومته بنتائج الاستفتاء، فاستقال. وايطاليا التي عملت ما يشبه بريكست في بريطانيا تفتح ثغرة أخرى في جدار الاتحاد الأوروبي.
ولا أحد يعرف كيف تتطور الأمور بعدما سقط مشروع اصلاح ما أفسده برلسكوني في ايطاليا واهتز الاتحاد الأوروبي. لكن الكل يعرف انه ليس لدى اليسار الشعبوي ولا لدى اليمين الشعبوي مشروع قابل للحياة، بل مجرد توظيف الغضب واليأس لدى الناس.