Site icon IMLebanon

اليانكي  

لم ينتظر اللبنانيون دونالد ترامب ليتيقنوا أنّ العالم، فاقد الضمير، الذي سمح بالمذابح في سوريا، يخطّط لتوطين النازحين في البلدان الأقرب الى سوريا. أي ان هذا العالم تقوده الولايات المتحدة الأميركية لا يكفيه العدد الهائل من السوريين الذين نزحوا الى لبنان إنما يريد (ويسعى الى) مضاعفتهم. فالمعلوم أنّ البلدان «الأقرب» الى سوريا هي خمسة: تركيا والأردن والعراق وفلسطين المحتلة إضافة الى لبنان. والمعلوم أكثر أنّ أنقره وبغداد وعمان عرفت كيف تتعامل مع النزوح السوري بضبط تواجده على الحدود، وبتحديد دوره بل باستخدام وتوظيف هذا الدور لما يخدم مصلحتها. وبالتالي «لا يبقى في الميدان إلاّ حديدان» باعتبار أن تل أبيب غير وارد هذا الأمر عندها.

 

منذ البداية جرى التعامل مع النزوح السوري عندنا من موقع الخلاف السياسي الضارب أطنابه في هذا البلد. ولكن من المهم الإشارة الى أنه منذ البداية أيضاَ إرتفعت أصوات تنبّه الى خطورة كثافة النزوح وتداعياته. وندّعي أن هذه الزاوية حملت هذا الهمّ في مقالات عديدة. ولكن الأكثر أهمية في تقديرنا أننا وصلنا الى إقتناع وطني شبه شامل بأنّ النزوح السوري بات يشكّل خطراً وجودياً قدر ما شكّل ويشكّل خطراً إقتصادياً وضغطاً إنسانياً وقضية إجتماعية بارزة.

وجاءتنا أقوال الرئيس ترامب بالمدوية التي استخدم فيها لفظة «توطين» مباشرة ومن دون أي مواربة بمثابة السكّين الذي «يحزّ» في الجرح، وتناول واحدة من أخطر أزمات العالم المعاصرة ببساطة مذهلة (أزمة اللجوء والنزوح)، فاللاجئون «الفارّون» من بلدانهم يجب توطينهم في «أقرب ما يكون من أوطانهم». وهكذا، بلمحة بصر، وبعبارات موجزة، وببساطة تحاكي السذاجة والبلاهة «وجدها» ترامب. وجدها دونما جهد. وجدها من دون أن يرف له جفن، فرمى علينا مليوناً ونصف مليون سوري وأيضاً نصف مليون فلسطيني… وأي موجة نزوح أخرى قد تأتي من سوريا وفلسطين المحتلّة! بل لعله رمانا بهم.

طبعاً كلام اليانكي الأميركي بالغ الخطورة. ولكن في يقيننا أن أمم الدنيا مجتمعة لا تستطيع أن تفرض على شعب ما خياراته المصيرية إذا كان موحداً، قلباً وقالباً، في مواجهة المخطّطات الخارجية مهما كانت لئيمة وخطرة… وردود الفعل اللبنانية الأولية التي ظهرت من نيويورك الى ساحة النجمة مروراً بالسراي الكبير، بيّنت رفضاً لبنانياً عارماً لأقوال دونالد ترامب الذي قد يطلع علينا مباشرة أو بلسان أحد الناطقين بإسم هذه الإدارة أو هذا المقر الأميركي الرسمي بتوضيح ما في محاولة لتخفيف وقع الكلام بالغ الخطورة الذي طلع به علينا سيّد البيت الأبيض الذي غمرنا بفيض كرمه ولطفه!