ليس حول طاولة الحوار في عين التينة من لا موقع أو لا تمثيل له في المجلس النيابي والحكومة. ومن الصعب، لا في الواقع بل في مسرح العبث، تأليف مشهد أكثر عبثية وسوريالية من مشهد المتحاورين، بالاضطرار لا بالخيار، يكررون المواقف نفسها في أطول مناظرة متسلسلة. مشهد اللاقدرة على الإقناع واللارغبة في الاقتناع، بصرف النظر عن تمتّع عدد من الحاضرين بالدهاء أو بالحكمة أو بسحر البيان. مشهد البحث في تفعيل ما كان على السادة المتحاورين – المتساجلين فعله من دون حوار، وهو انتظام العمل في مجلسي النواب والوزراء وبقية المؤسسات. ومشهد الحض على فعل ما ثبت على مدى عامين انه ليس في اليد أو ان الظروف ليست ناضجة في حسابات من يحمل مفتاح الباب المغلق، وهو طبعاً انتخاب رئيس للجمهورية.
وقمة الفصول في مسرح العبث تقطيع عشر سنين في التحاور وتقديم المشاريع الجدية لاعتماد استراتيجية دفاعية يعرف الجميع ان الاتفاق عليها مهمة مستحيلة لأنها اسم مستعار للبحث في سلاح حزب الله. ثم ماذا عن عشر سنين من دون موازنة هي أهم قانون سنوي في الأنظمة الديمقراطية وحتى في الأنظمة الاستبدادية؟ ماذا عن الدوران العبثي حول قانون انتخاب يعكس التمثيل الشعبي الصحيح والسليم منذ ما بعد العودة في اتفاق الدوحة الى قانون الستين؟ وماذا نسمي اتخاذ المواقف من قوانين الانتخاب ومن احترام أو عدم احترام المواعيد الدستورية للانتخابات النيابية والرئاسية على أساس الملاءمة أو عدم الملاءمة للأوضاع والحسابات الشعبية والمالية ومدى الربح أو الخسارة للزعامات وأشباه الزعامات؟
الكل يطالب بقانون انتخاب واجراء انتخابات نيابية والمسارعة الى ملء الشغور الرئاسي. والنتيجة هي: لا قانون، ولا شيء سوى التمديد لمجلس نيابي معطل، ولا نصاب لجلسة انتخاب رئيس في ٣٦ موعداً. وخطاب الجميع تقريباً هو دق ناقوس الخطر على مصير البلد أو أقله على النظام كما على الوضع الاقتصادي والمالي، ثم الحديث عن نافذة فرصة مفتوحة امام لبنان يجب اغتنامها قبل ان تغلقها التطورات الدراماتيكية في المنطقة، سواء منها المحسوب وغير المحسوب. لكن ما يحدث هو الامتناع عن فعل ما يضمن رد الخطر ومنع الاقتراب من نافذة الفرصة وأحياناً اغلاقها.
والحد الأدنى لتفسير ذلك هو واحد من أمرين: إما ان الزعامات لا تصدق ما تقوله عن الخطر ولا تؤمن فعلاً بأن هناك نافذة فرصة مفتوحة، واما ان الناقص ليس الوعي بمدى المخاطر على الوطن والمواطن وما يجب فعله بل الاستعداد لتقديم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية والشخصية أو المصالح الاقليمية والدولية.
والزبالة تكفي.