غاب المتظاهرون عن أكثرية الساحات التي أقاموا فيها ثلاثة عشر يوماً بلياليها والنهارات، وكذلك عن معظم الطرقات، ولكن «ملائكتهم» بقيت، وستبقى، حاضرة ليس فقط في تلك الساحات والطرقات إنّما في الدور والقصور أيضاً. ذلك أنّ المحادثات الجارية حول الوضع الحكومي خصوصاً، والوطني عموماً، تأخذ في الاعتبار مطالب الانتفاضة إن بالنسبة الى شكل الحكومة أو الى آتي الأيام وما ينتظر لبنان واللبنانيين فيها من تطورات وربّـما من مفاجآت أيضاً. فالتصريحات التي تصدر عن رموز الشارع تختلف في الكثير ولكنها تجمع على قول يكاد أن يكون بمثابة «كلمة السر»، وهو: «تركنا الساحة موقتاً وننتظر الحكومة، وسنحدّد موقفنا» ويضيفون قولهم: أمّا اذا لم تأتِ التشكيلة كما نريد فسنعود، علماً أنّ بعضهم يغالي في ما يذهب إليه فيحدد للسلطة ولمجلس النواب مهلة ساعات لتشكيل الحكومة…
والكثير منهم يقول إن هذه المهلة لا تتجاوز الأربع والعشرين الساعة المقبلة.
المعنيون بالتشكيلة الحكومية تحرجهم هذه المهلة. ومع أن رئيس الجمهورية تحدث، أمس، عن حكومة «نظيفة» آتية، فإنّ دوائر القصر الجمهوري، كما دوائر رئاسة مجلس الوزراء، كما معظم أولئك المعنيين بالوضع الحكومي يجدون أنفسهم «مزروكين» في هذه المهل، على أساس أنّ عملية التشكيل ليست قراراً ثورياً في بلد يعتمد النظام الديموقراطي البرلماني… ثم إن الرئيس سعد الحريري حرص على اعتماد المسار الدستوري في تقديم استقالته، فتوجه الى القصر الجمهوري وتقدّم بها خطياً الى الرئيس ميشال عون الذي قبلها علماً أنها نافذة بحد ذاتها منذ تقديمها خطياً الى الرئيس وأصدرت المديرية العامة للقصر الجمهوري بياناً حول طلب الرئيس عون من الرئيس الحريري والوزراء الاستمرار في تصريف الأعمال ريثما يتم تشكيل الحكومة الجديدة.
معروف أن عملية التأليف باتت معقدة جداً في لبنان منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام الذي استغرق أحد عشر شهراً الى الحكومة الحريرية المستقيلة حالياً.
الى ذلك هناك الإجراءات الدستورية المعروفة من استشارات القصر الجمهوري النيابية الملزمة الى استشارات مجلس النواب التي يستأنس خلالها الرئيس المكلف بآراء النواب ورغباتهم التي يصب معظمها في خانة الاستيزار.
… ولكن توزير النواب ليس وارداً، حتى الآن، على الأقل لدى الحراك في الشارع الذي يصرّ على حكومة تكنوقراط من الوجوه «النظيفة».
وإذا مرّ قطوع الحكومة بسلام… ولا تبدو المؤشرات في هذا الاتجاه، والعكس صحيح إذ ثمة دلائل على صعوبات وعراقيل وأهواء وأمزجة ونكايات وأحقاد (…) فإنّ المرحلة ستكون حبلى بتطورات أقل ما يُقال فيها إنها مثقلة بالمطبات… وفي طليعتها حلّ مجلس النواب بعد إقرار قانون انتخابي جديد وإجراء انتخابات نيابية عامّة في الربيع المقبل.
والسؤال البدهي هل سيقر النواب الحاليون قانوناً ضدّ أنفسهم!
وهل سيحلّون أنفسهم بأنفسهم؟!