في الفترة التي تسبق حصول الحكومة على ثقة المجلس النيابي تعيش القوى السياسية مرحلة «اعلان الانتصارات»، فكل فريق يسعى لإظهار ما حققه من إنجازات خلال تسعة أشهر من الجدال العقيم. إن هذه الاحتفالات وتحديدا تلك التي أقامها رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان أثارت حفيظة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي اكتشف بعد تشكيل الحكومة تعرضه لخديعة من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري، الأمر الذي أخرجه عن هدوئه، وجعل انطلاقة الحكومة ممهورة بالسجالات السياسية القاسية، الأمر الذي يطرح السؤال حول التحالفات على طاولة مجلس الوزراء.
عندما أعلن أمين عام مجلس الوزراء فؤاد فليفل مرسوم تشكيل الحكومة، حُكي عن ثلاث عشرات تشكل المجلس مجتمعا، العشرة الاولى تتكون من رئيس الجمهورية بوزرائه الأربعة، والتيار الوطني الحر، اما الثانية، فتضم تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، والثالثة تضم حركة أمل وحزب الله وتيار المردة ووزير اللقاء التشاوري حسن مراد ووزراء التقدمي الاشتراكي. ولكن عند التدقيق أكثر بنوعية التحالفات سنجد انها متغيّرة، غير ثابتة وقابلة للتحرك.
لا شك أن من أراد الحديث عن ثلاث عشرات كان يقصد الأمور الاستراتيجية، ولكن من يصنّف الأمور الاستراتيجية؟ هنا تكشف مصادر قيادية في فريق 8 آذار ان التحالفات داخل مجلس الوزراء غير ثابتة، وربطنا بحلف واحد مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لا يمكن أن يُلاقي المنطق، خصوصا بالعلاقة مع سوريا، مشيرة الى أن علاقة جنبلاط متينة للغاية مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهناك نوعا من ربط نزاع بين جنبلاط وحزب الله، انما لا يمكن الحديث عن تحالف متين كالذي يجمع تيار المستقبل بالتيار الوطني الحر «اقتصاديا»، أو الذي يجمع تيار المستقبل والقوات اللبنانية «استراتيجيا».
بالمقابل تكشف المصادر أن الرئيس بري «يكفل» جنبلاط، خصوصا عندما يكون الملف حساسا داخل مجلس الوزراء، ولذلك ارتضى فريق 8 آذار هذا التقسيم، خصوصا وأن جنبلاط بالمرحلة الحالية يشعر بالوحدة، جرّاء تركه من قبل حلفائه «القوات» وتيار «المستقبل»، وبالتالي يعلم جنبلاط أن من يقف الى جانبه بوقت الشدة هو رئيس المجلس النيابي فقط، الأمر الذي ترجمه بري بالدخول على خط التهدئة بين جنبلاط والحريري وساهم بإعلان هدنة والدخول بمرحلة النقاش.
بالنسبة الى التحالف الذي يجمع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر فلا شكّ أنه وبحسب المصادر نفسها الأمتن خلال الحكومة الحالية كون الملفات لن تُقسم بين عادي واستراتيجي، وسيكون الموقف من كل الملفات هو نفسه بين الجهتين. يبقى الحلف الذي يجمع المستقبل والقوات، وفيه شبه كبير بالحلف الاول الذي تحدثنا عنه، خصوصا وأن الحريري قد رسم علاقة اقتصادية سياسية استراتيجية مع وزير الخارجية، ستترجم بشكل فعال في الحكومة المقبلة.
وفي هذا السياق تكشف مصادر القوات اللبنانية أنها متحالفة مع تيار «المستقبل» ورئيسه سعد الحريري حول الامور السياديّة وأبرزها العلاقة مع سوريا، ورفض الهيمنة الإيرانية على لبنان، ورفض وجود سلاح حزب الله وضرورة تسليمه الى الدولة. اما بالنسبة الى الملفات العادية والأمور الحياتية فليس للقوات حلفاء، بل هي ستتعاون مع كل من يملك رؤية مشابهة لرؤيتها ولو كان حزب الله، مع العلم ان مقاربة الملفات الحياتية بين القوات والحزب يُظهر رؤى مشتركة، سيتم العمل عليها بالحكومة الحالية.
اذا تخلص المصادر الى أن التحالفات في الحكومة خاضعة للتغير والتبدل بحسب الملفات المقبلة على لبنان، لذلك من غير المعلوم مصير الحكومة، خصوصا اذا ما صح ما قاله مرجع سياسي كبير بأن الحكومة الحالية ستكون اكثر الحكومات إنتاجية في تاريخ لبنان لأسباب عديدة، قد يكون أبرزها حساسية الانتخابات النيابية المقبلة.
