على الرغم من التكتّم الشديد الذي تحيط به أوساط رئيس الحكومة سعد الحريري لقاءاته في المملكة العربية السعودية، فإن المعلومات المتداولة تكشف عن ملامح استراتيجية سعودية جديدة على الساحة اللبنانية ستطلق مرحلة مغايرة لما كان سائداً، ولكن من دون الذهاب نحو أي تصعيد من قبل الرئيس الحريري ضد أي طرف داخلي التزم معه في معادلة التسوية التي أنتجت الواقع السياسي الحالي. وبحسب المعلومات المستقاة من مصادر قريبة من تيار المستقبل، فإن المملكة تدرك أن التوازن الحالي هو نتيجة تقاطع الإرادات الدولية والإقليمية على استقرار لبنان، والسعودية هي من الداعمين لهذا الإستقرار، وذلك بصرف النظر عن الإشتباك السعودي ـ الإيراني.
من هنا، فإن العودة السعودية إلى الساحة اللبنانية من خلال دعم رئيس الحكومة بشكل خاص، وفتح صفحة جديدة معه، لن تكون من دون أية ضوابط، ذلك أن القواعد التي أرستها التوازنات الدولية والإقليمية في الداخل، هي التي تتحكّم بالمعادلة السياسية، وتلعب دور ضابط الإيقاع لأي زعزعة للواقعين السياسي والأمني.
في المقابل، فإن تحوّلات بارزة طرأت على صعيد العلاقة ما بين رئيس الحكومة والرياض، وهي لا تقتصر فقط على الإنقطاع في العلاقة الذي سُجّل خلال الفترة الأخيرة إثر تقديم الحريري استقالته وعودته إلى بيروت. بل ترتبط بالواقع المستجدّ منذ الإنتخابات الرئاسية السابقة ونشوء التحالف الوثيق ما بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة. وبالتالي، فإن مبادرة السعودية تجاه لبنان أولاً والرئيس الحريري ثانياً، قد نجحت في استحضار مناخات مستقرّة ما بين الممكلة والشارع السنّي في لبنان، ولا سيما شارع تيار «المستقبل»، لكنها، وكما تضيف المعلومات، لم تؤدِّ إلى تغيير الخطط التي كان قد وضعها الحريري للمرحلة المقبلة، وبشكل خاص استراتيجيته الإنتخابية، والتي لن تشهد أية تغييرات بارزة، باستثناء إعادة ترتيب العلاقة ما بين «القوات اللبنانية» وتياره، وذلك من خلال الإستحقاق الإنتخابي الذي سيشكّل مؤشّراً قوياً لما ستكون عليه العلاقة السياسية لمرحلة ما بعد الإستحقاق الإنتخابي. وفي هذا المجال، فإن الأسبوع المقبل الذي سيشهد إعلان لوائح تيار «المستقبل» الإنتخابية، سيكون محطة أيضاً في تحديد خارطة الطريق التي سيعتمدها رئيس الحكومة بعد «عودته» قلباً و قالباً إلى المملكة العربية السعودية.
ووفق المصادر نفسها، فإن الزيارة التي قام بها الحريري إلى منزل الرئيس فؤاد السنيورة فور عودته من الرياض، ليست مرتبطة بنتائج المحادثات، إنما هي كانت مقرّرة في سياق إبداء التقدير للرئيس السنيورة، الذي كان قد قرّر منذ مدة العزوف عن الترشّح للإنتخابات النيابية المقبلة.
وحيال هذه المعطيات، فإن فكّ الإرتباط ما بين الحريري وشركائه في التسوية السياسية ليس سهلاً تقول المصادر، وذلك انطلاقاً من القرار المتّخذ بالإبقاء على العلاقات المتينة مع رئيس الجمهورية ومع «التيار الوطني الحر» ورئيسه الوزير جبران باسيل، خصوصاً وأن هذا الأمر لن يعطّل عملية ترتيب العلاقات مع الحلفاء السابقين في فريق الرابع عشر من آذار، وفي مقدّمهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، في موازاة إعادة توحيد الشارع السنّي واحتواء الإنقسامات الداخلية فيه، انطلاقاً من انعكاسات هذا الواقع بشكل سلبي على الإنتخابات النيابية لجهة التمثيل الصحيح والمنافسة داخل الشارع الواحد، والتي لا تخدم مصلحة الطائفة بالإجمال.
وفي حين خلصت المصادر ذاتها، إلى وضع نتائج زيارة رئيس الحكومة إلى الرياض في سياق تعزيز الدعم السعودي لمؤتمري «روما2» و«باريس» من خلال المشاركة الفاعلة والمنتجة، أكدت أن الملف اللبناني قد عاد من جديد ليحتلّ الأولوية على أجندة المملكة، التي عادت إلى لعب دور سياسي شبيه بالدور الذي لعبته في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، حيث شكّلت السند الأساسي لإعادة قيام الدولة اللبنانية بعد الحرب. وأوضحت أن ترابطاً واضحاً قد سجّل ما بين عودة هذا الإهتمام، واقتراب موعد الإنتخابات النيابية، كما قالت المصادر، التي توقّعت أن تكون للرياض «بصمة» ولو محدودة في لوحة الإنتخابات، وذلك من بوابة التحالفات الإنتخابية التي سيبنيها تيار «المستقبل» مع كافة القوى السياسية من دون استثناء.