لا يمكن لمعرفتي به، التي لم تصل الى مستوى الصداقة، ان تحول بيني وبين انتقاد وزير الداخلية نهاد المشنوق، ان هو اخطأ في موقف بصفته الوزارية، وليس بصفته الشخصية والسياسية كعضو في تيار المستقبل، او كناشط في قوى 14 آذار، على اعتبار ان الصفة الوزارية تلزمه وفق الدستور والقانون بأن يكون وزيراً لجميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم واحزابهم ومناطقهم، وليس وزيراً مسلماً سنّياً، ينحاز لمصالح طائفته ومذهبه، على حساب مصالح الآخرين وحاجاتهم، او ان يقدّم طموحاته السياسية الشخصية على مصالح الناس، ممن لهم علاقة بصلاحيات وزارته، وما اقوله للوزير نهاد المشنوق، اقوله لجميع الوزراء على قاعدة ان الوزير هو «موظف» تم اختياره او انتقاؤه لشغل «وظيفة الوزارة» على ما ورد في المادة 28 من الدستور اللبناني، وبالتالي فان اي موقف او قرار يتخذه مطلق وزير، لا يصبّ في مصلحة اللبنانيين جميعهم، هو إخلال بقواعد الوظيفة التي اسندت اليه بموجب الدستور، ومن هذا الباب تحديداً ادخل الى الموقف المستهجن الذي اتخذه وزير الداخلية، بعدم توقيع معاملات الزواج المدني التي تتمّ في لبنان وفق القانون وتفسيراته الايجابية الصادرة عن مراجع قضائية عالية، والتي تم تبنّيها من وزيري الداخلية السابقين المحامي زياد بارود والعميد مروان شربل، والتي على اساسها تم تسجيل حوالى 54 زواجاً في دوائر النفوس، ونزلت في قوائم الشطب، وانجبت اطفالاً يتمتعون عن حق بالجنسية اللبنانية، ويأتي اليوم الوزير نهاد المشنوق، ولاسباب، مفهومة الخلفية، ويمتنع عن توقيع معاملات 13 زواجاً مدنياً، ويلجأ الى مجلس الوزراء، وهو المرجع غير الصالح للتفسير، بوجود قانون قائم، وكأنه لم يقرأ القول المأثور «بوجود الماء يبطل التيمم»، من دون ان يأخذ في الاعتبار ما يترتب على عمله هذا من اضرار اجتماعية ومادية واخلاقية، لفئة من اللبنانيين مارست ما سمح به القانون، وما نص عليه الدستور في المادتين 9 و13 حول تمتع اللبنانيين بالحريات العامة، مستنداً وفق ما نقل عنه، الى ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري رفض توقيع مشروع قانون الزواج المدني الاختياري الذي وافق عليه مجلس الوزراء بما يشبه الاجماع اثناء ولاية الرئيس الياس الهراوي، ووضعه في الجارور ولم يحله الى مجلس النواب، والسبب الثاني رفض دار الافتاء ايام المفتي رشيد قباني هذا المشروع رفضاً تاماً، وجاء بالامس الوزير محمد فنيش، ومن منطلق طائفي ايضاً، مصرّحاً بأن لا زواج مدنياً في لبنان.
* * * * *
الردّ على هذه الاسباب المستهجنة، يبدأ برفض موقف الرئيس رفيق الحريري، وضع مشروع القانون بالدرج، خلافاً لرغبة مجلس الوزراء وموافقته، وبضغط من المرجعية السنية الروحية في لبنان، ورجال الدين السنّة والشيعة والمسيحيين والدروز المهيمنين على قوانين الاحوال الشخصية، خلافاً لما نصّ عليه القرآن ان «لا اكراه في الدين» فيأتي مسلمون ويكرهون الناس على الزواج الديني، وهم لا يريدونه، كما ان الكنيسة الواعية عند مختلف المذاهب، لم تعد تقيم القيامة اذا تزوج ابناؤها مدنياً، خصوصاً ان جميع المواطنين في الدول الاوروبية والاميركية، بمن فيهم المسلمون، يفرض عليهم الزواج المدني، وهم احرار بعدها بالزواج كنسياً او لدى رجال الدين المسلمين، والكل ملزمون بذلك ولا اعتراض.
ثانيا: اذا كان المسلمون يرفضون الزواج المدني، فلماذا يشملون المسيحيين برفضهم، ويلزمونهم بالسفر الى خارج لبنان وتحمّل النفقات، ليعودوا بعدها الى لبنان ويسجلوا زيجاتهم، أليس هذا نوع من التسلّط والقمع والالزام؟
ثالثاً والاهم، ان جميع اللبنانيين، باستثناء الطائفيين والمعقّدين والخائفين على مصالحهم، اعجبوا بصراحة الرئيس سعد الحريري وشجاعته وصدقه وانفتاحه، عندما قال في مقابلة تلفزيونية، انه مستعدّ كرئيس حكومة ان يوقع قانون الزواج المدني الاختياري، لأن هذا حق من حقوق الناس، رغم انه يرفض ان يتزوج اولاده مدنيا.
هذه هي طينة الرجال الذي نريدهم في مركز المسؤولية.