لا ثقة عند النّاس بالطاقم السياسي الحالي لخوض هذه المعركة الإصلاحية
هل تكون الحرب على الفساد نزوة مؤقّتة ينتهي مفعولها وفق ظروف تستجد؟
الانقسام السياسي والشحن المذهبي يمنعان وقوف أي مسؤول وراء القضبان
يُعدّ الفساد واحداً من أخطر الظواهر السلبية في الدولة، فهو يُهدّد استقرار الدولة في الكثير من المراكز الحيوية والوظائف. ولا يوجد في كل أنحاء الأرض مجتمع خالٍ من الفساد وهذه الحقيقة لا يُمكن لأحد أن ينكرها أو يتجاهلها، وحتى الكتب السماوية من قرآن وانجيل جاءت على ذكر الفساد عشرات المرات وبأوجه متعددة، وهو ما يعني ان الفساد عمره من عمر المعمورة وأن القضاء عليه مهما كان كبيراً أو صغيراً هو شبه مستحيل خصوصاً في الأنظمة السياسية التي هي في الأصل قائمة على الفساد ومن بينها النظام اللبناني.
صحيح أن قوى سياسية متعددة أعلنت الحرب على الفساد، لكن أياً من هذه القوى لم تحدثنا عن الآلية التي ستعتمدها للقضاء على هذه الآفة التي اغرقت لبنان ولا تزال بديون لا طاقة له على تحملها أو سدادها في ظل وضع سياسي غير صحي ووضع اقتصادي مترهل، ناهيك عن المذهبية التي تعد السد المنيع الذي يحمي كبار الفاسدين في هذا البلد، فمعركة القضاء على الفساد عنوان جميل، ولكن طعمها مُرّ بالنظر على عدم التفاؤل المسبق في بلوغ هذا الأمر الغاية المرجوة لأنه يستحيل أن يطلب البراءة لمدان خصوصاً وأن الغالبية شريك في عملية الفساد.
في تقدير مصادر سياسية عليمة ان «حزب الله» وغيره ممن اعلنوا الحرب على الفساد قد اعدوا العدة لهذه المعركة وهم الزموا أنفسهم من خلال مواقفهم المعلنة الاستمرار فيها، ومن هنا كانت حركة النائب في «حزب الله» حسن فضل الله التوجه المباشر إلى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم حيث سلمه ملفات تحدث عنها في مؤتمره الصحافي أمس الأوّل واعتبرت اخباراً وجب التحرّك على أساسه. كما كان لافتاً رسالة وزير المال علي حسن خليل لوزير الاتصالات حول «اوجيروا» وضرورة تسليم وزارة المالية الكشوفات والحسابات حول الجباية والانفاق، هذان الأمران يعدان علامة توحي بأننا ذاهبون باتجاه محاربة الفساد وهي تعد رحلة الألف ميل لأن الفساد هو العدو الأقوى، أقوى من كل الأطراف التي هي ليست بريئة من دمه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على مستوى الرأي العام الذي لم يستطع ان يهضم بعد فكرة إعلان الحرب على الفساد من منطلق ان من «جرب المجرب كان عقله مخرب»، كيف سيفتح هذا الملف، وكيف سيقفل وإلى أين سيصل فيه المعنيون بهذا الأمر؟
فهل الطاقم السياسي الحالي الذي في معظمه شريك في الفساد هو أهل للثقة لمحاربة هذا الفساد، هذا سؤال يتم التداول فيه لدى كل الناس من دون ان يتلقوا أية أجوبة تقنعهم بأن الحملة الموجودة على الفساد حالياً بعد ان بلغت البلاد مقتلاً على كافة المستويات لن تكون على شاكلة حملات كثيرة شنت في السابق ولم تصل إلى أية نتيجة والدليل أننا لم نشاهد أي مسؤول مهما كان حجمه كبيراً أم صغيراً وراء القضبان.
وتبدي غالبية النّاس خوفها من ان تكون هذه الحملة على الفساد نزوة مؤقتة ينتهي مفعولها وفق ظروف قد تستجد وتحرف الاهتمام اللبناني عن هذه المعركة لانشغاله بمعارك جديدة ربما تكون مختلفة لفرملة هذه الاندفاعة لدى البعض في القضاء على الفساد وهو أمر اعتاده لبنان في العديد من المحطات المماثلة، فالدخول في معركة الفساد أشبه بدخول مغارة لا يُعرف دهاليزها ولا إلى أين تؤدي، وهي دوران في حلقة مفرغة أشبه بدواليب الهوا.
ولنفترض جدلاً أن معركة الفساد انطلقت وأن الدفاتر فتحت، وأن الاتهامات وجهت، فهل سيكون بإمكان أحد ممن أعلن الحرب على الفساد ضمان دخول أحد من السياسيين وغير السياسيين إلى السجن في ظل الانشطار السياسي والانقسام الطائفي والمذهبي الموجود في البلد.
من المؤكد ان الغريزة المذهبية ستتحرك، ومن المؤكد ان التحالفات السياسية ستشكل مظلة عند اتهام أي فاسد، وستتحول المعركة من معركة على الفساد إلى تبادل الاتهامات ونبش للقبور وتوتير للأجواء لتصل الأمور إلى حدّ التغاضي عن هذه الحملة ما دام البلد سينزلق إلى آتون التجاذبات والصراعات من جديدة وستصبح مصلحة البلد العليا فوق أي اعتبار، وتعود الملفات لتوضع على الرف من جديد لتكون الغبار كفيلة في محو أثارها مع قابل الأيام، وهكذا تبقى الأوضاع على حالها طالما ان النظام السياسي في البلد حجره أساس بنيانه هو الفساد…