IMLebanon

لا حكومة قريباً والسؤال: هل يقدر الحريري على حماية لبنان من «الخريف الإيراني»؟

 

ساحات الصراع تدخل فصلاً من فصول التصعيد.. وتقرير «فوكس نيوز» ينهي فترة السماح

 

اللوبي اللبناني الترامبي يُبدي قلقاً من وضع خيارات ترك البلد لمصير الانهيار على الطاولة

يُشكّل التقرير المُفصّل الذي نشرته «فوكس نيوز» الأميركية عن طرق إيران السرية لنقل أسلحة إلى «حزب الله» عبر مطار رفيق الحريري الدولي، من خلال «شركة قشم فارس» الإيرانية للطيران المدني تطوراً خطيراً على مستوى لبنان، في سياق التحوّلات المتسارعة التي تشهدها المنطقة منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجية إدارته تجاه إيران و«حزب الله»، الذراع العسكري الأقوى لدى الحرس الثوري.

فالتقرير الذي عرض لدقائق رحلتين قامت بهما الشركة من طهران إلى مطار بيروت، في تموز وآب الماضيين، وسلكتا مساراً غير مُعتمد بهدف التفلت من عمليات رصد وتعقب الاستخبارات الغربية، لم تكشفه الشبكة الأميركية المؤيدة لترامب، في رأي أوساط أميركية مطلعة، من قبيل الصدفة، بل إنها خطوة مدروسة، يُراد منها توجيه رسائل في اتجاهات متعددة، تستهدف كل الأطراف المعنية، من طهران إلى دمشق فبيروت. لكن الجهة الأقل تحصيناً والأكثر هشاشة هي لبنان، رغم حرص المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الأوروبية، على تأكيد دعم الاستقرار الأمني والاقتصادي فيه انطلاقاً من توجّسها لتداعيات الانهيار عليه، جراء المخاوف من الهجرة غير الشرعية عبر مياه المتوسط.

القراءة لمعاني التقرير لا تندرج في إطار عملية الاستهداف لإيران و«حزب الله» فحسب، بل التضييق على لبنان بعدما بدا واضحاً أن حلفاء إيران أسقطوا من حساباتهم الالتزام بالحد الأدنى لسياسة النأي بالنفس في محاولة تحييد لبنان عن تأثيرات الصراع المحموم في المنطقة، وهم ماضون في سعيهم الدؤوب لـ «إعادة تموضعه الاستراتيجي». فقد خطا «حزب الله» خطوة علنية متقدمة عبر بيان «كتلة الوفاء للمقاومة» الأخير الذي اعتبر فيه أن «لبنان مدعو، حكومة وقوى سياسية، للاستفادة من تطوّرات الأوضاع في المنطقة لمراجعة تموضعه الاستراتيجي ولإعادة النظر في بعض علاقاته الإقليمية والدولية»، في وقت تتماهى مواقف الفريق السياسي لرئيس الجمهورية مع هذا الطرح، بغض النظر عما إذا كان التماهي مرحلياً مصلحياً، أو وليد اقتناع بأهمية الانضمام لحلف الأقليات في المنطقة وضروراته لضمان ما يعتقدون أنه مصلحة مسيحية!

في الكشف عن التقرير رسالة للبنان الرسمي بمؤسساته السياسية والأمنية والعسكرية بأن فترة التسامح والتفهّم شارفت على نهايتها ومرحلة غض الطرف لم تعد ممكنة، فقد سبق أن أوصلت واشنطن وحلفاؤها الخليجيون إشارات عديدة عن حاجة مؤسسات الدولة إلى ضبط مرافقها وبسط سلطتها عليها ووقف الخروقات وعمليات التواطؤ الجارية، لكنها بقيت بلا تجاوب.

فاتحت دول كثيرة لبنان وأجهزته بتداعيات بقاء المطار تحت سيطرة «حزب الله» الأمنية. الأمر راهناً يتعلق بتهريب مكوّنات لتصنيع أسلحة دقيقة إلى مصانع إيرانية داخل لبنان. الكشف عن هذه الجزئية يعني، في نظر متابعين، أن ثمة «غطاءً سياسياً ما» قد تكون حصلت عليه إسرائيل لتنفيذ ضربات تستهدف مخازن أسلحة ومواقع تحتوي على مصانع أسلحة لـ«حزب الله». ما يبدو في الأفق أن أي تصعيد عسكري لن يتخطى في المدى المنظور ضربات محدودة ومحددة.

فالتعويل الأميركي هو على السلاح الاقتصادي. العقوبات على إيران ماضية في مسارها التصاعدي، ومع الرابع من تشرين الثاني ستشهد أقسى مراحلها مع بدء منع تصدير النفط الإيراني، وسيتلقى معها الريال الإيراني ضربة قوية. اللافت اليوم الكلام عن أوراق جديدة قد تستخدم على الساحة اللبنانية.

الأوراق اقتصادية – مالية. ويذهب  أميركيون من أصل لبناني يعملون ضمن اللوبي الترامبي إلى إبداء كثير من القلق على الوضع  اللبناني، واعتبار أن المسؤولين، سواء على المستوى النقدي أو السياسي، يظنون أن بمقدورهم محاذرة الضغوط  بالاتكاء على دور أوروبي، ويواربون في مصارحة اللبنانيين بحقيقة ما سيواجه لبنان إذا لم يتخذ منحى سياسياً آخر، وخطوات حازمة تجنبه «الكأس المرّة».

فالرهان على حرص الولايات المتحدة وحلفائها على استقرار لبنان ليس مسألة مضمونة ما دام قادة لبنان لا يقومون بالدور المطلوب منهم لحماية بلدهم، والظن أنه يمكن تمرير الوقت والتحايل هو ظن أقل ما يمكن وصفه بالغباء. ما هو لافت أن خيارات ترك لبنان لمصير الانهيار قد باتت على الطاولة. وربما تكمن المخاوف الحقيقية هنا.

فالبيان الصادر عن المديرية العامة للطيران المدني في لبنان الذي أكد صحة تواريخ الرحلتين، محدداً  أن شركة «طيران قشم فارس» سبق أن تقدّمت بطلبين إليها لتسيير رحلتي شحن جوي بين مطارات طهران ودمشق وبيروت والدوحة، لافتاً إلى أن الطائرتين وصلتا فارغتين وحُمّلتا بالمواشي للتوجه إلى الدوحة، يكشف عن حجم الإرباك الرسمي والخفة في التعامل مع تحديات بهذا الحجم مفتوحة على تدابير عقابية وتأثيرات سلبية على لبنان وشعبه  بالكامل.

وإذا كان التقرير يُشكّل أول الغيث، فإن الأنظار لا بدّ من أن تتجه إلى ما يمكن أن تحمله الأسابيع المقبلة، ولا سيما مع التحضيرات الأميركية لجلسة مجلس الأمن التي يعتزم ترامب ترؤسها في النصف الأخير من الشهر الجاري، وعلى الأرجح في السادس والعشرين منه، حول إيران، وذلك بهدف «الرد على انتهاكات القانون الدولي من قبل إيران والزعزعة العامة للاستقرار التي تثيرها في منطقة الشرق الأوسط برمتها»، كما أعلنت نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.

فساحات الصراع برمتها دخلت فصلاً جديداً من فصول التصعيد، بين تصعيد عسكري في إدلب السورية واليمن، وبين تصعيد سياسي في العراق، مرجح أن يخرج عن القدرة على احتوائه مع تصاعد الحركة الاعتراضية الشعبية التي تراق فيها الدماء، وتصعيد آخر في لبنان عنوانه تشكيل الحكومة التي من المستبعد أن تبصر النور في ظل التوتر الذي بدأ يأخذ منحى طائفياً وسط اصطفاف القيادات السنية، ولا سيما رؤساء الحكومات السابقين، خلف  الرئيس المكلف سعد الحريري دفاعاً عن صلاحيات رئيس الحكومة، والتي من شأنها أن تُعقّد المشهد، وتُعيد البلاد إلى حال من التوترات الداخلية ستلقي بظلالها على ما تبقى من التسوية الرئاسية.

على أن المخاطر التي يفرضها الواقع الاقتصادي – المالي المهترئ أصـلاً، والآفاق المقفلة أمام ترجمة وعود المؤتمرات الدولية التي قُطعت، ولا سيما مؤتمر «سيدر»، والضغوطات التي ستُمارس على لبنان لردع مسار انحرافه ومحاولات توظيفه كورقة إيرانية، باتت تفرض على الحريري، الذي  يُشكّل، بلا منازع، خط دفاع سياسي عن لبنان، ويحظى بدعم عربي ودولي، أن يُحصّن نفسه سياسياً بما يتيح له الصمود أولاً، واتخاذ خطوات وطنية، تتعدى إطار تأييد طائفته، قادرة على أن تحمي لبنان من «الخريف الإيراني» الآتي!.