حتى من قبل عودة العماد ميشال عون من فرنسا، لم يبدّل عادته في الرفض المطلق، وهذا ينطبق أيضاً بعد العودة على مواقفه من تشكيل الحكومة قبل أن يتسلم مقاليد رئاسة الجمهورية وبعدها.
فالحكومات التي شارك فيها بوزراء من “التيار الوطني الحر” أو من المنضوين الى تكتله النيابي الذي كان اسمه تكتل التغيير والاصلاح الى أن صار حالياً تكتل “لبنان القوي”… هذه الحكومات كلها، من دون أي استثناء واجهت منه العراقيل لأسباب عديدة:
إمّا لأنّ الجنرال يريد أن يتمثل تياره وتكتله بعدد معيّـن من الوزراء.
وإمّا لأنّه يريد حقائب بعينها.
وإمّا لأنّه يريد وزراء محدّدين لهذه الحقيبة أو لسواها.
وحتى حكومة نجيب ميقاتي، التي عُرفت، عن حق، بأنّها “حكومة اللون الواحد” أو “حكومة حزب الله”، هي أيضاً نالت نصيبها من العرقلة وتأخير التأليف الى أن يتم إرضاء الجنرال، وموافقته عليها.
وهذا بات أمراً مقضياً، وهو ينعكس حالياً على تأليف الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري الذي يعاني كثيراً بين الشروط والمطالب وشهوة الاستيزار من غير طرف، ولكن خصوصاً من شروط ومطالب “التيار الوطني الحرّ” والتكتل التابع له.
ويقيناً أن هذه العرقلة ما كانت لتبلغ مداها وتحقق أهدافها لولا أنّ الرئيس ميشال عون يلقى دعماً كبيراً واستثنائياً من “حزب الله”، وهنا يلتقي الطرفان على العرقلة من منطلقين يكمل أحدهما الآخر: فالتيار البرتقالي يريد أن يهيمن على حصة المسيحيين بما يتجاوز الحدود والمنطق… وأمّا “حزب الله” فأضحت مصلحته واضحة في عدم قيام دولة، وبالتالي فهو مع كلّ ما يعرقل هذه الدولة لمصلحة الدويلة التي أنشأها في لبنان على قاعدة السلاح والاستئثار بمقدرات البلد.
أضف الى ذلك أنّ الطاقم السياسي، خصوصاً منذ “اتفاق الطائف” وانتهاء الحرب الأهلية له مفهوم مختلف الى الدولة واعتبارها دولة منافع ومصالح ونفوذ.
ومنذ ذلك الحين والقصة ذاتها، وينتج عنها عجز مطبق في إيجاد حلول للأزمات المتناسلة والمشكلات المتعاقبة… ويمكن تعداد الكثير منها، إلاّ أننا نكتفي بالإشارة الى اثنتين وهما مشكلة الكهرباء التي لم تجد حلاً لها منذ أكثر من ربع قرن… ومشكلة النفايات التي انفجرت في السنوات الأخيرة ولا يبدو في الأفق أي مؤشّر الى التوصل الى حل لها في المستقبل المنظور.
علماً أن حق الناس في التيار الكهربائي أربعاً وعشرين ساعة على أربع وعشرين، وحقهم في بيئة نظيفة أقله من النفايات وسمومها وأضرارها البالغة… هما من أضعف الإيمان.
وفي تقديرنا أنّ حلّ أزمة تأليف الحكومة قد يكون أسهل ممّا يتوقعون، ويكون ذلك فقط إذا تدخل “حزب الله” لدى فخامة الرئيس.
وكلمة أخيرة: لبنان من دون دولة لأنّ السلاح غير الشرعي موجود، وما لم تقم الدولة فلن يكون هناك حل لأي مشكلة.
والباقي تفاصيل.
عوني الكعكي