IMLebanon

لا غالب ولا مغلوب: وماذا بعد؟

 

منذ مدةّ، طاولت إسرائيل الضاحية الجنوبية باعتداء غاية في الوقاحة والتحرش والإستقصاد الفاضح، واضعة حدا متماديا طال أمده متجاوزا قرارات الأمم المتحدة وتواجدها من خلال القرار الأممي 1701، وتصوين الحدود مع لبنان بقوات دولية متعددة الجنسيات، فرضت حالا من الهدوء النسبي الممتليء بخروقات جوية إسرائيلية يومية تستغلها في ضرب المواقع الإيرانية، إضافة إلى مواقع حزب الله وعدد من الميليشيات المتمركزة والمقاتلة في الأرض السورية وما تيسر من أراضي بلداننا الممانعة التي اكتسحت بعضا من البلدان العربية بدءا من العراق وسوريا ولبنان.

 

وسادت المنطقة منذ سنوات قواعد اشتباك سمحت إسرائيل لنفسها من خلالها بضرب التجمعات الإيرانية ولواحقها في تمركزها في كل من سوريا ومن ثم في العراق، وقد استقرت قواعد الإشتباك المتبعة منذ صدور القرار الأممي 1701 وحتى أيام قليلة سلفت، على بقاء الأرض اللبنانية بعيدة عن كل اشتباك، واذا بهذه القواعد تنتهك وتخترق بشكل فجائي في تلك الليلة الليلاء في الضاحية الجنوبية، حيث بادرتنا إسرائيل بمسيراتها المتفجرة، وطالت أرضنا بذلك العدوان الذي رفضه اللبنانيون عموما في الشكل وفي الأساس،.

 

وإن كان هناك تحفظ شديد على ما حلّ بوضعنا السيادي وبدولتنا المتلاشية من اختراقات كاسحة من قبل الدويلة على كل معالم ومقومات الدولة شبه المندثرة. وبصورة خاصة، قامت قيامة الممانعين على محاولة إجراء تبديل جذري في قواعد الإشتباك المعتمدة، تكون فيه الأرض اللبنانية مستهدفة بالنيران الإسرائيلية وطائرات الدرون المتسللة إلينا بين البيوت والأماكن السكنية المكتظة، بعد سنوات من الهدوء النسبي التي أعقبت القرار 1701 وإجراءاته الأمنية على الحدود الجنوبية.

 

وكان للبنانيين جميعا جملة من المواقف الرافضة والمناهضة، إلى أن كان الرد «المدروس» والمشغول بهندسة إقليمية ودولية، وطاول إسرائيل من خلال هدف أصاب مؤللة إسرائيلة وآخر مماثل طاولت نيرانه أحد المعسكرات الإسرائيلية. أما إسرائيل فقد ردت بما تيسر لها من قذائف وتصريحات نارية ، وفي الحالتين إقتصرت الأقوال التفجيرية والأضرار الناتجة عن قصف متبادل على ما تم التصريح به من قبل الفريقين، وهكذا على طريقة، لا غالب ولا مغلوب، ولأن الفريقين «شأنهما شأن مفتاحيهما التوجيهي، الولايات المتحدة وإيران»، فقد أخذ كل منهما بعين الإعتبار، بنصح الناصحين وفرض الفارضين التحسب الجدي بأن حربا ما إذا اندلعت، فآثاراها المدمرة ستكون ويلا وثبورا على فريقيها، مع ترجيح بأن توازن القوى وانطلاقا من كون إسرائيل الأبن المدلل للولايات المتحدة، والذي سيلقى نجدتها في أية صعوبات ميدانية قد تواجهها.

 

فإن ما هو متوقع من آثار قد تطاول لبنان ستكون بالنتيجة أقوى وأشد، وستتناول بلدا بعيدا عن وسائل الحماية (لا ملاجيء لدينا ولا وسائل حماية مدروسة ومنظمة)، وهذا ما خلق في الأوساط المختلفة، تحسبا وقلقا وتخوفا من كوارث قد تطاولنا أرضا وشعبا ومؤسسات، الأمر الذي يمكن استنتاجه من تعليقات ومخاوف المواطنين المعبر عنها في وسائل التواصل الإجتماعي، ومن خلال أقوال الناس المتداولة في مختلف الأوساط، دون أن نغفل ذلك الحماس الذي يداخل الكثيرين تجاه أي عمل تقوم به المقاومة، وهو أمر يرافق الناس في تعبيرهم عن ما اعتبروه نصرا مظفرا حملوه معهم في بعض مظاهراتهم الإحتفالية التي نقلتها التوجيهات المختلفة إلى الشريط الحدودي. ما يبرر ذلك كله، كون العدوان الإسرائيلي كان غاشما ومتحديا لكل الجهات والفئات والأوساط.

 

دون أن نغفل غصّة لدى المواطنين، وهم يرون أن دولتهم لم تعد دولة وان قرارهم لم يعد لهم ولا لمن يمسكون بشكليات سلطوية هي في الواقع لم تعد لهم بأي مقياس وأية حدود، بل باتت هناك دولة أخرى تحمل اللواء كلّه والسلطة كلها والتنفيذ كله، على النحو الذي عبر عنه كل من الرئيس فؤاد السنيورة، ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وعدد آخر من المسؤولين في أقوال وتصريحات صدرت عنهم مؤخرا، وإذ نحمد الله على ان الأمور قد تمت ضبضبتها ولملمتها بتوافق إجرائي تمّت أحداثه بأقل ما أمكن من الخسائر، ولكن التحسب والتخوف يبقى قائما على بلد تحارب دولته البديلة في كل مكان، فتتحسب ونتحسب معها على أن تكون الإحترابات الدائرة في ساحاتنا. وضعية لا بد من أن تتولاها السلطة الشرعية الحقيقية في هذه الدولة بكثير من الإهتمام والجدية والتمسك بروح السيادة الوطنية الكاملة على مجمل الأوضاع والقرارات والتصرفات، في خضم هذا الضياع الشامل، نعيد الإبتهال إلى الله عز وجل بأن يحفظ هذا البلد وأهله من سيء التوقعات.