لن تكون القمة الأولى بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين إذا التقيا في 18 تموز المقبل في النمسا. فهي ستكون القمّة الثالثة لهما بعد قمتين: الأولى في المانيا على هامش قمة دول «مجموعة العشرين» مطلع تموز 2017 بعد نحو خمسة أشهر من دخول ترامب البيت الأبيض. والثانية في فيتنام على هامش قمة «آسيان» في 11 أيلول من العام نفسه التي جمعت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا مع مجموعة الدول العشر في جنوب شرق آسيا.
وبعيداً من نتائج القمتين السابقتين فإنّ القمة الثالثة تحتاج الى كثير من التحضيرات بسبب حجم الملفات المفتوحة بين الدولتين والمصاعب التي يواجهها السعي الى تفاهمٍ يعزّز الإستقرار الدولي في أكثر من منطقة في العالم، ويفكّك كثيراً من العقد المتحكّمة بعدد من الأزمات التي تقود فيها واشنطن وموسكو مواجهاتٍ قاسية مع حلفاء أشدّاء لديهم ما يكفي من القوة ليشكّل أيَّ صدام عسكري بينهما حرباً حقيقية واسعة النطاق تتجنّبان الوصول اليها على رغم خوضهما حروباً موضعيّة صغيرة، خصوصاً في الشرق الأوسط والبلقان وما يتهدّد الكوريّتين الجنوبية والشمالية.
ولذا تكتسب زيارة بولتون لموسكو أهمّية قصوى في اعتبارها إحدى المحطات الأساسية التي تؤسّس لجدول أعمال حافل بالقضايا الكبيرة بين الدولتين.
وفي معلومات من واشنطن أنّ بولتون مهّد لزيارته الروسية باللقاءات الرباعية التي عقدها في لندن أخيراً مع المسؤولين الألمان والفرنسيين والبريطانيين قبل أن تتحوّل سداسيّةً بانضمام مسؤولين إماراتيين وسعوديين وخُصِّصت للبحث في مجموعة الأزمات الدولية من أزمة ضمّ شبه جزيرة القرم والوضع في دول الإتّحاد السوفياتي السابق الى أزمة اغتيال الجاسوس الروسي في لندن بالإضافة الى الوضع في سوريا واليمن.
وأفادت التقارير الديبلوماسية أنّ بولتون سيحمل الى موسكو، بالإضافة الى هذه الملفات الأربعة، الملف النووي الكوري الشمالي لما لموسكو من دور متشعّب يعود في تاريخه الى أصول هذه الملفات منذ نشأتها.
فليس خافياً على أحد وجود الأصابع الروسية في بدايات تأسيس المحطات النووية في إيران وكوريا الشمالية قبل أن يطوّرَ البلدان قدراتهما النووية باستقدام الخبراء الروس والإفادة من خبرتهم في بناء المفاعلات الإيرانية والكورية الشمالية. وليس غريباً أن يُبحث في الدور السوري بالعودة الى ملف المفاعل النووي السرّي الذي كان في طور البناء في دير الزور ودمّرته إسرائيل في غارة جوّية عام 2007.
على هذه الخلفيات تحدّثت التقارير الديبلوماسية عن عناوين هذه الملفات التي سيتناولها بولتون مع القادة الروس فتشير الى استثناء ملفٍّ واحدٍ منها يتعلّق بما سُمّي التدخل الروسي في الإنتخابات الأميركية الأخيرة والذي طوي على ما يبدو أو أنه تحت رقابة القضاء الأميركي ولا يرغب أحد البحث فيه حالياً، ولذلك فقد انتهت التقارير الى تحديد الملفات الآتية:
– ثمّة مَن يعتقد أنّ تداعيات ملف محاولة اغتيال الكولونيل السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية سيرغي سكريبال المتهم بالتجسّس لحساب بريطانيا في جنوب البلاد سيكون على جدول الأعمال. فالرئيس الأميركي سيزور النمسا من طريق لندن عقب الزيارة التي ستقوده اليها في 14 تموز في محاولة لترميم العلاقات بين روسيا والعالم الغربي والتي انتهت الى عقوبات دولية كبيرة فُرِضت على موسكو نتيجة تورّط عملائها بهذه «العملية الوسخة» كما يسمّيها الأميركيون.
– ملف العلاقات الروسية – الأميركية المأزومة على خلفية ما يُسمى بالنزاعات السائدة في «الفضاء الروسي» الذي كان قائماً أيام الإتّحاد السوفياتي وهو يعني الأزمات الواقعة ليس في ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم فحسب، بل إنّ الأمور باتت معقّدة الى درجة كبيرة، نتيجة تمدّدها الى دول الإتّحاد السوفياتي سابقاً والتي يسعى بعضُها للإنضمام الى منظومة الحلف الأطلسي عدا عن الأزمات البينية في ما بينها.
– الملف النووي الإيراني ومتشعباته التي باتت بعد تعليق الإعتراف الأميركي به تطاول مجموعة الأزمات التي تتدخل إيران فيها من العراق الى سوريا واليمن وعلاقاتها مع دول الخليج العربي، وليس خافياً على أحدٍ ما للروس من كلمةٍ نافذة في مختلف هذه الملفات المفتوحة منذ سنوات بين واشنطن وموسكو، بفارق بسيط عكسته المتغيّرات التي طرأت منذ تسلّم ترامب مسؤولياته في المواقع القيادية الأميركية الحساسة الإستخبارية والديبلوماسية بين الأمن القومي ووزارة الخارجية في مواجهة استقرار الإدارة الروسية التي يتحكّم بها رجلان منذ بداية مسلسل الأزمات هذه والذي يتجلّى بوجود بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف وهو ما انعكس تقلّبات في مجرى التفاهمات بين القوّتين.
– الملفان السوري واليمني وهما تحوّلا من وريقات الملف النووي الإيراني بعدما انعكست المواقف الأميركية من الملفّ الأساسي على مجرى الأحداث في الدولتين ولم يطرأ بعد أيُّ تفاهم أميركي ـ روسي ثابت يحمي ما تحقّق فيهما من مناطق آمنة وفي المساعي الى حلول سياسية وديبلوماسية توقف المخططات العسكرية الجارية على الأرض.
والى ذلك برزت المخاوفُ الأميركية من العملية العسكرية التي يعدّ لها النظام جنوب سوريا إذا ما استخدم فيها قوات ايرانية أو موالية لها وهو ما سيشدّد عليه بولتون خلال محادثاته مع القادة الروس مشترطاً أن يكون الجيش السوري النظامي وحده في المواجهة ليمسك بالحدود السورية – الأردنية ومع الجولان المحتل.
وتتّجه الأنظار الى موسكو لمعرفة ما يمكن بولتون أن يحقّقه في زيارته التي سيُبنى عليها كثير من الرهانات على المساعي المبذولة لإنجاح القمّة الأميركية ـ الروسية المقبلة التي ستتناول مجموعة من الملفات المصنّفة شائكة، حلُّ بعضها لن يكون بـ»شحطة قلم»، وبعضها الآخر يمكن أن يوضع على الطريق الصحيح.