Site icon IMLebanon

هذه هي الأضرار الجانبية لـ«العاصفة»

 

بعدما هدأت العاصفة، واستعاد البلد أنفاسه، أصبح في الامكان اجراء عملية تقييم للوضع الحالي، لتلمّس الأضرار الجانبية التي خلّفتها التطورات الدراماتيكية التي اجتازت مرحلة الكارثة المؤكدة، الى مرحلة أزمة مع وقف التنفيذ.

منذ تعليق رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته تحت مُسمّى التريُّث، ساد مناخ عام من الارتياح انعكس فوراً على الاسواق المالية التي كانت تعاني ضغوطات، وحالة هلع مكتوم لدى المسؤولين، انعكس بوضوح من خلال رفع الفوائد على الودائع والقروض بنسب بلغ معدل ارتفاعها الوسطي حوالي 30 في المئة.

وكان من البديهي ان الخوف الاول في خلال الأزمة تركّز على ثبات سعر صرف الليرة، واذا ما كانت قادرة على الصمود لمدة طويلة.
اليوم، وفي فترة «التريُّث»، كيف تبدو أوضاع الاسواق المالية؟ ما هي الأضرار الجانبية التي سيتحمّلها المواطن؟ ما وضع المالية العامة؟ وكيف هي صورة الاقتصاد بشكل عام؟

في العنوان العريض، لا تغييرات جذرية بين ما كان الوضع عليه قبل الاستقالة وما بعدها، مع فارق أن القدرات الشرائية للمواطن سوف تتراجع تدريجياً في الايام القليلة المقبلة، انطلاقا من ارتفاع اسعار الفوائد الذي سينعكس على كل مفاصل الحياة اليومية. اذ تشكّل القروض الاستهلاكية حوالي 30 في المئة من محفظة القروض المصرفية.

وتبيّن الاحصاءات ان حوالي نصف مداخيل اللبنانيين موزّعة على قروض (سكن، سيارة، شخصي، للتعليم…). وهذا يعني ان كل مواطن سيتحمّل اليوم اعباء اضافية قد توازي زيادة حوالي 10 في المئة على حجم انفاقه، بما يعني تراجع القدرة الشرائية بالنسبة نفسها. وهذا يشكل ضغطاً اضافياً على وضعٍ كان يُعتبر سيئاً قبل هذه «الزيادة في الانفاق».

في المقلب الآخر للعاصفة التي عَبَرت، تبرز مشكلة الدين العام وقروض الدولة. اذ أن كلفة الاقتراض سوف ترتفع، وستتجاوز مع الوقت معدلها الحالي (حوالي 7.5%)، الى معدلات جديدة تتماهى مع رفع الفوائد.

هذا الارتفاع المرتقب يضع ضغطاً اضافياً على الموازنة التي وصل العجز فيها الى حوالي 5 مليار دولار سنويا، وهو رقم لا يحتمل ان يرتفع اكثر في اقتصاد يبلغ حجمه حوالي 55 مليار دولار، ولا يتجاوزمعدل نموه السنوي 1.5% (معدل السنوات الثلاث الأخيرة).

في المقابل، تباطأت كثيراً حركة التحويلات من الليرة الى الدولار، لكن من دون تسجيل حالات عودة للأموال التي جرى تحويلها. وهذا الامر يحتاج الى وقت، وهو يرتبط بالتطورات، وقد لا يحصل سريعاً، خصوصا ان تجربة الاموال المجمّدة ومنع تحويلها من الليرة الى الدولار قبل موعد الاستحقاق أثارت القلق لدى المودعين، الامر الذي سيصعّب خفض الدولرة.

مع الاشارة هنا، ورغم الفارق في أسعار الفوائد بين الليرة والدولار، فان 60% من الودائع المصرفية قبل أزمة الاستقالة كانت مودعة بالدولار، الامر الذي يشير بوضوح الى وجود حذر قائم، حتى في فترات الهدوء والثبات النقدي.

الى ذلك، يعاني الاقتصاد المُنتِج في لبنان من تراجع تدريجي في مداخيله، وهذا ما تُظهره احصاءات التصدير الصناعي. هذا الوضع قد يزداد تعقيداً بسبب ارتفاع الفوائد، وبالتالي ارتفاع كلفة الانتاج، وتراجع القدرة التنافسية للصناعة اللبنانية.

هذا الأمر يمكن ان ينسحب على التاجر أيضاً، بما قد يرفع من كلفته، ويدفعه الى رفع اسعاره، او خفض أرباحه، وفي الحالتين هناك أضرار سيتحمّلها المستهلك، او المؤسسات التجارية بما قد يرفع نسب الافلاسات القائمة.

في النتيجة، يمكن الاستخلاص ان الاوضاع الاقتصادية والمالية اجتازت قطوع الانهيار، ولكن الاضرار موجودة، حتى لو لم يشعر بها الناس فوراً، لأنهم مرتاحون لأنهم نجوا من الاسوأ، من دون أن يعني ذلك ان البلد في وضع كارثي اليوم مالياً واقتصادياً، لكن الامور مرهونة بتوقيتها.

قبل الأزمة، كان الوضع معقداً، على اعتبار ان الخسائر تراكمية، والمسار الانحداري يحتاج الى وقت قبل الوصول الى الهاوية. بعد عبور العاصفة، عُدنا الى المسار نفسه، لكننا اكتسبنا قوة اضافية في سرعة الانحدار. ومع ذلك، هناك ارتياح بسبب النجاة من السقوط المُبكر.

وقفُ مسيرة الانحدار، او الاستمرار بها، رهنُ التطورات السياسية، وما قد يليها من اجراءات اقتصادية.