IMLebanon

هؤلاء هم قرابين “حزب الله” على مذبح الحراك

 

لن يُجيّر المتظاهرون الشيعة دماءهم الى أحد

 

قواعد اللعبة تغيّرت “فوقاني تحتاني” فتحطمت “تابوهات” ظنّها البعض قد أصبحت أحكاماً نهائية مبرمة ممنوع المساس بها، خصوصاً في الحالة الشيعية التي خالها لبنانيون، حتى من ينتمي منهم الى الطائفة الشيعية، أبدية سرمدية.

 

أبناء وبنات الطائفة الشيعية إنتفضوا على واقعهم و”نزلوا” على الأرض في حراكٍ ليس فيه سوى نبض الشارع والفقر والقهر ولا شيء آخر، لا اليمن ولا سوريا ولا ليبيا ولا الجزائر. شيعة لبنان ثاروا بغضبٍ شديد في انتفاضة الواتساب العارمة.

 

ماذا بعد نزول الشيعة على الأرض ليس بدعوةٍ من “الحزب” أو من “الحركة” هذه المرة بل باندفاعة عفوية جميلة جدا؟

 

زمان، كان يقال عن بعض الشيعة: الشيعة الأحرار، أما اليوم، فالشيعة الأحرار باتوا هم غالبية الشيعة في لبنان الذين لم تأخذ طائفتهم، ولا الثنائية القابضة على حضورهم، هواجسهم التي برزت في 2005 على محمل الجدّ. لم ينتبه هؤلاء الى أن في قلب هذه الطائفة، على ما قال الناشط في المجتمع المدني لقمان سليم، طاقات شابة ومتحركة ووضعوا كل “البيض” في سلة نبيه بري و”حزب الله”.

 

الشيعة الأحرار سعداء جداً اليوم وهم ينظرون الى المشهد الذي يتعاظم “حراكاً” يوماً بعد يوم، منذ تسعة أيام، بعد أن تراكم “معنوياً” منذ خمسة عشر عاماً. ومن لم يرد أن يتوقف عند ما يدور في الوسط الشيعي، منذ العام 2000 ثم في الـ 2005 مروراً بالعام 2008 وصولاً الى همسهم الإعتراضي منذ بداية هذه السنة، ذنبه على جنبه.

 

تجزم أصوات شيعية واكبت كل المراحل السابقة، منذ أكثر من عقدين، بأن الرهان على الحراك الشيعي الحالي لن يكون لمصلحة تعويم سعد الحريري أو “القوات” أو “ثورة الأرز”. هذا الحراك لن يخدم أحداً بعد اليوم وهو ملك الشيعة وحدهم، وسيكون محطة تؤسس الى غدٍ يختلف كلياً أو جزئياً عن أعوام كثيرة مضت. ويفترض ألا يُفكّر أحد، أيّ أحد، أنه سيستفيد في السياسة من الحراك الشيعي. ولن تُجيّر دماء هادي نور الدين في النبطية الى أحد.

 

يتكلمُ أركان في الطائفة الشيعية بصوتٍ مرتفع كي يصل هذا الكلام الى من يفترض أن يسمعوه. ويسألون هنا، هل تتذكرون كيس اللبنة الذي يصنعه الجنوبيون حتى اللحظة ويضعون فيه قليلاً من الخميرة؟ ما يجري اليوم هو لحظة إنفعالية “تخمّرت” فيها سنوات من الهمس والنشاطات الصغيرة التي تمخضت اليوم عن هذا الحراك الشيعي الرائع. هذا الحراك كما “القبولة” التي لا تحتاج الى أكثر من فتيل لتشتعل.

 

الحراك سيستمر ولن يوقفه شيء. ويُعلق مصدر في الطائفة على هذه النقطة بالقول: لن يوقفنا سوى أن نستعيد كل حقوقنا أو أن يغتالونا كلنا وحينها لن يستطيعوا أن يحكموا سوى مقبرة كبيرة.

 

“حزب الله” المنهمك طوال أعوام بمشاغل كثيرة خارجية، وحروبٍ إقليمية، أساء التعامل مع أبناء وبنات طائفته أولاً. والسؤال، هل سيعيد المتظاهرون التفكير “بثورتهم” إذا تخلى “الحزب” عن إرتباطاته بحروب الآخرين؟ يجيب مصدر شيعي: لن يُعاد النظر مطلقاً بهذا إلا إذا أعلن قطع علاقته العضوية مع إيران. الشعب غاضب جداً. ثلاثة أرباع الشباب الشيعي بلا عمل. وهذا ملاذهم الأخير ليشعروا بأنفسهم في دولة لا دويلة. ويستطرد: هناك نقاشات علنية، داخلية، تدور في البيئة الشيعية ترتفع فيها نقاشات حادة يعتبر فيها المواطنون أنهم ارتكبوا حماقة، في أنهم لم يكونوا في طليعة من أطلقوا شرارة “ثورة الواتساب”. وهناك من يسأل في هذه النقاشات: لماذا يحمي “الحزب” جبران باسيل ونبيه بري؟ وهناك من أعرب عن خوفه، من قلب الحلقات النقاشية، مما يجري قائلاً: ما يجري في بيروت اليوم أصعب حتى من قتال إسرائيل.

 

أركان “حزب الله” يبحثون اليوم عن حلولٍ لاستيعابِ طائفتهم أولاً ولبنان. ويتحدث مصدر مطلع عن نقاشٍ دار في أحد اللقاءات جرى التعبير خلاله، أن رئيس “حركة أمل” بات عبئاً ثقيلاً جداً والتضحية به واردة، خصوصاً أن النظام السوري، الذي لم “يحلب” معه رئيس المجلس النيابي صافياً، ما عاد متمسكاً بوجوده أبداً. ويُحكى في الكواليس الشيعية عن ثنائية جديدة تُعدّ كون “حزب الله” يحتاج الى طرفٍ آخر معه. وهناك من يفكر جدياً أن يكون الطرف الآخر، كما حنا عتيق، لا أكثر ولا أقل. وهناك همس كثير باسمِ جميل السيّد.

 

الصحافي قاسم قصير كان مشاركاً منذ يومين بنقاشٍ دعا إليه مركز التدريب التابع لبلدية حارة حريك في الضاحية الجنوبية بدعوة من معهد الدراسات الدولية. فهل كان النقاش حامياً؟ يجيب: شارك في النقاش عبد الحليم فضل الله وحبيب فياض وبلال الحسيني وأكثر من مئة شاب. ناقشوا الحراك وبدا جلياً إنفتاح “حزب الله” على الحراك مع ملاحظته وجوب المحافظة على الإستقرار المالي والأمني. ويستطرد قصير بالقول: حبيب فياض قال خلال النقاش “إن ما جرى توقعناه من قبل وتأخر حصوله”.

 

الكلّ كان يتوقع أن يحصل ما حصل. والكلّ تأخروا عن الحراك قبل إنبعاث الحراك الشعبي الهائل. والحلّ؟ هل سيتراجع الشعب اللبناني الذي ينتمي الى الطائفة الشيعية في نصف الطريق؟

 

ليس سهلا خروج الشيعة، الذين يستبسلون حراكاً على الأرض، من ثورة قرروها بأنفسهم وهم مدركون أن خروجهم هذه المرة من الساحة سيتيح إلتهامهم لقمة واحدة.