الدهاء السياسي! حدا بالوفد اللبناني إلى القمة العربية أن يوعز إلى الإعلاميين أن لا يذكروا أنَّ الطائرة اللبنانية هبطت في المغرب، وأنها وصلت مباشرة إلى نواكشوط، لكن سها عن بال الوفد اللبناني أنَّ هذا المخرج وإنْ انطلى على بعض اللبنانيين فإنه لم ينطلِ على الموريتانيين الذين شعروا بأعلى درجات الإستياء، ليس فقط بسبب نوم الوفد اللبناني في المغرب بل لأنَّ التصرف اللبناني جاء في ذروة قطيعة بين المغرب وموريتانيا، حيث أن الرئيس الموريتاني رفض استقبال موفد مغربي وأحاله على وزير الخارجية، بعدما كان الملك المغربي خلال شهر حزيران الماضي قد رفض مرتين استقبال وزير خارجية موريتانيا.
إذاً، في ظل هذه العلاقة الباردة بين المغرب وموريتانيا، كيف لرئيس حكومة لبنان أن يبيت ليلته في المغرب لينتقل بعدها إلى موريتانيا؟
المعلومات التي رشحت من نواكشوط تفيد بأنَّ الخلاف كبير جداً بين المغرب وموريتانيا، ولهذا فإن الوفود العربية التي تملك معطيات دبلوماسية جديَّة حول هذا الخلاف، تحاشت المرور في المغرب، في طريقها إلى موريتانيا، وحطت مباشرة في مطار نواكشوط الدولي.
بين الجلسة المغلقة للقمة والجلسة النهائية التي ستتضمَّن إعلان نواكشوط، كان هناك غداء على شرف الوفود، علّق أحد الخبثاء على ذلك فسأل بجدّية مطلقة:
أين تناول الوفد اللبناني الغداء؟
هل امتنع عن ذلك عملاً بنصيحة الإمتناع عن النوم في نواكشوط؟
في مطلق الأحوال فإن مشاركة لبنان في قمة موريتانيا أعطت ردة فعل سلبية بالنسبة إلى علاقات لبنان العربية، بمعنى أنَّ لبنان الرسمي ينظر إلى الإخوان العرب من زاوية المصلحة، فإذا كانت الدولة غنية وقادرة على تقديم المساعدات فإنه يبجّلها، وإذا كانت فقيرة كموريتانيا فإنه يعتبر أنَّه لا يليق به النوم في ضيافتها!
هذا الواقع سيكون محطَّ نقاش في علاقة لبنان بالدول العربية في وقت أحوج ما يكون إلى أي مساعدة من هذه الدول بسبب عبء النازحين على أرضه.
سيعود لبنان من القمة خالي الوفاض، فلا موريتانيا كانت مرتاحة إلى أدائه، ولا الدول العربية المشارِكة كان لديها الإهتمام بقضاياه، حيث أن ملفاتها تحتاج إلى مَن يساعدها فيها. يعود الوفد اللبناني إلى لبنان، ليُطلَّ من الجو، قبل هبوط الطائرة، على الواقع المزري بين الكوستابرافا وبرج حمود، حيث واقع النفايات يتراكم من دون معالجة جذرية.
يعود الوفد اللبناني إلى بيروت ليواجِه كباشاً جديداً بين مياومي مؤسسة كهرباء لبنان وبين المؤسسة، والتصعيد الذي يقوم به المياومون يأتي في إطار الكباش مع شركات مقدمي الخدمات.
في هذه الحال فإنَّ شهر آب سيكون عصيباً، كهربائياً:
فلا المؤسسة قادرة على الإستمرار في الخضوع للإبتزاز، ولا شركات مقدمي الخدمات قادرون على الإستمرار في هذا الوضع ولا المياومون يملكون القدرات للقيام بالمهام.
إذاً نحن أمام معضلة كهربائية إذا صحَّ التعبير، وعليه فإنَّ آب لن يكون أفضل من تموز على الإطلاق.