IMLebanon

هذه شروط الإفراج عن أموال “سيدر”  

 

 

حطّ المبعوث الفرنسي السفير بيار دوكان في بيروت، وحطّت معه الآمال بإمكانية فتح “خزنة سيدر” من جديد، لانتشال المالية العامة من قعرها، ولو عبر سلّة ديون جديدة. ترفع السلطة السياسية سقف طموحاتها الاصلاحية إلى حدوده القصوى، وهي تلعب دور القاضي والجلاد والمذنب معاً! ولكن عند التنفيذ، تتبخّر كل وعودها ووعيدها بالاقتصاص من مزاريب الهدر والفساد ومفسديها، لتلجأ من جديد إلى الحلقة الأضعف، الطبقات المتوسطة والفقيرة.

 

قرعت الطبقة السياسية طبول الاستنفار، وهي أصلاً مدانة في تآمرها واشتراكها في “نهب الدولة”، كلّ على طريقته: بتنا على حافة الافلاس والفوضى، ولا بدّ من حال طوارئ اقتصادية. لكن نداءها لا يزال يصطدم بحاجز الخلافات: من سيدفع ثمن التقشف في زمن الفقر؟

 

وُضعت الورقة الاصلاحية التي صيغت بإشراف الرئاسة الأولى، على طاولة الحوار على أمل نيلها غطاءً سياسياً يسمح لها بعبور معموديات المؤسسات الدستورية، التشريعية والتنفيذية، من دون احتراقها. وإذ بها تخرج من الجلسة خاوية، مفرّغة من مضمونها.

 

لكن سوداوية هذا المشهد، لم تحجب تفاؤل المبعوث الفرنسي الذي بشّر اللبنانيين بأنّ أموال “سيدر” لا تزال معلقة في الصناديق، تنتظر سلّة الاصلاحات التي وعدت بها الدولة اللبنانية.

 

يقول أحد الوزراء الفاعلين إنّ الأجواء الإيجابية التي حملها السفير الفرنسي ليست مفاجئة، في ضوء النتائج التي خرج بها رئيس الحكومة سعد الحريري من زيارته الأخيرة إلى واشنطن. صحيح أنّ الادارة الأميركية تضع نصب عينيها تطويق “حزب الله” بحزام مالي يتدرّج في قساوته، لكن هذا لا يعني أبداً أنّ هذا الطوق يراد منه أن يخنق اللبنانيين بشكل عام.

 

يدرك الأميركيون حساسية الوضع اللبناني، ويحرصون كما يقول الوزير المعني، على وضع خطّ فاصل بين التضييق على “حزب الله” وبين الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وتحديداً المالي.

 

ولهذا يستبعد أن تمارس الادارة الأميركية أي ضغط على الدول والهيئات المانحة ضمن خطة “سيدر”، لمنعها من السير بمشروع مدّ الاقتصاد اللبناني بجرعات قروض قد تبقيه في العناية الفائقة، إلى أن يقضي الله أمراً…

 

ويشير إلى أنّ الحريري سمع في واشنطن كلاماً إيجايباً بشأن دعم جهوده لفرملة الانهيار المالي والاقتصادي، ومن الطبيعي أن يطال هذا الدعم، مشاريع “سيدر”، التي تدرك الادارة الأميركية جيّداً أنّها لا تؤثر على المنظومة المالية لـ”حزب الله” لا سلباً ولا إيجاباً.

 

ضمن هذه الصورة، يمكن فهم زيارة المبعوث الفرنسي إلى بيروت ولقاءاته المسؤولين اللبنانيين والتي طغى عليها الطابع الإيجابي، كما تؤكد شخصية مسؤولة التقته في جلسة عمل، مشيرةً إلى أنّ دوكان شدد على أنّ التزامات الدول والهيئات المانحة تجاه لبنان لا تزال قائمة، فيما ينتظر في المقابل من السلطات اللبنانية أن تنفّذ التزاماتها.

 

وتؤكد أنّ الدول والهيئات المانحة تريد من لبنان تسريع سلّة التزاماته التي تعبّر عن مسار إصلاحي يفترض إثبات جديته لكي تطمئن هذه الدول والهيئات إلى مصير القروض التي ستؤمن للبنان. ويبدأ هذا المسار الاصلاحي، بوضع موازنة العام 2020 لناحية خفض العجز في المالية العامة بشكل متدرج، إقرار الهيئات الناظمة في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني، وضع سلّة أولويات للمشاريع التي تريد الحكومة اللبنانية البدء بتنفيذها، وإقرار آليات تحفظ شفافية العمل لكي تتمكن هذه الصناديق من متابعة المشاريع المنوي تنفيذها ومراقبة كيفية صرف هذه القروض.

 

وعلى الرغم من الالتباس في سلوك السلطة اللبنانية وفي الأرقام التي تبرزها عن العجز وخفضه، إلا أنّ الشخصية المسؤولة ذاتها، تؤكد أنّ هذه الصناديق لا تربط سلّة قروضها بحرفية الشروط الواردة أعلاه، وإنما تريد من الحكومة والمجلس النيابي اللبنانيين إثبات “حسن نية” من خلال الانطلاق في المسار الاصلاحي ولو لم يكتمل عقده في وقت قريب.

 

وتشير الشخصية إلى أنّ الحكومة اللبنانية بدأت العمل فعلياً على لائحة المشاريع التي ترغب في تنفيذها ضمن المرحلة الأولى من “سيدر” المؤلف من ثلاث مراحل. ويُنتظر أن تكون موازنة العام 2020 تتمة لموازنة 2019 بالتوازي مع ورشة تشريعية تكرس آلية المراقبة التي تريدها الصناديق المانحة.

 

يذكر أنّ “المؤتمر الاقتصادي للتنمية من خلال الاصلاحات ومع الشركات” CEDRE عقد في 6 نيسان 2018، بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وجمعَ ما يقارب 11 مليار دولار كقروض بفوائد مخفّضة وهِبات. وهي تأتي من نحو 51 دولة وبعض المنظمات الدولية (البنك الدولي، البنك الأوروبي للتنمية…)، لكن لن يتم الافراج عنها إلّا بعد الوفاء بشروط محددة كانت الحكومة اللبنانية قد تعهدت بتنفيذها، تتعلّق بإصلاحات هيكلية في إدارة الحسابات العامة، وفي الحكم ومكافحة الفساد وغيرها. هذه الأموال مخصصة لتنفيذ خطة “استثمار رأس المال” CIP التي وضعها رئيس الحكومة سعد الحريري وتضم نحو 250 مشروعاً للبنى التحتية والتطوير.